استثمارات الديبلوماسية في السفارات الرقمية
لا يبدو ان الاقبال على العالم الافتراضي حكر على الهواة والشباب و«جيل الكومبيوتر»، وإنما انتقلت عدواه إلى الحكومات. ففي نموذج لافت، أعلن مدير معهد السويد أولي واستبرغ عن صنع «سفارة» لبلاده في العالم الافتراضي، تعد الثانية بعد جزر المالديف. وأعلن أن هذه السفارة الرقمية التي استحدثتها بلاد جبال الجليد في موقع «سكوند لايف» Second Life ليست مخصصة لمنح تأشيرات للسفر، بل تعمل على توفير معلومات وافية عن الدولة، إضافة إلى خدمات أخرى مثل نشر التعليم والتوعية بين مرتادي ذلك الموقع. ويدفع تكاثر السفارات في العالم الافتراضي الذي يقدمه موقع «سكوند لايف» للسؤال عما إذا كان العمل الديبلوماسي سينتقل أيضاً الى ذلك العالم! «اليوم كنت مشغولاً في البحث عن أرض أستطيع إنشاء مبنى سكني عليها، وجاري الألماني يحاول البحث من جانبه عن سوق في المدينة لشراء ملابس جديدة تتناسب وشخصيته المتزمتة. وأحاول البحث عن شخصيات عربية داخل هذا العالم ولكن من دون جدوى. ولدي أمل في العثور على بعض العرب هنا، مع أن حياتي منذ ولدت في ذلك العالم لم يمضِ عليها سوى يومين». تلك العبارات التي تظهر في المدوّنة الالكترونية للسعودي محمد الشهري، تصف أيضاً تجربته في العالم الافتراضي لموقع «سكوند لايف» (وترجمة الاسم هو «حياة ثانية») الذي بدأ يجذب المزيد من الأيدي العربية، ولو ببطء.
صمم موقع «سكوند لايف» في عام 2003 بواسطة «شركة ليندن للأبحاث» بهدف تكوين عالم افتراضي يتمكن أعضاؤه من التعارف والتسلية وتكوين مشاريع وانجاز مغامرات ونسج علاقات وغيرها. وسرعان ما ظهر عدد من المواقع المُشابهة له. وتجاوز عدد الأعضاء في «سكوند لايف» عند بداية عام 2007 الستة ملايين.
يبدو الانضمام إلى هذا العالم بالأمر الصعب. تبدأ خطوات العضوية بالتسجيل المجاني وإنزال برنامج يُسهّل التعامل مع الموقع.
ثم يختار العضو شخصية افتراضية، تشبه شخصيات الرسوم المتحركة وتُسمى «افتار» Avtar، ثم ينتقي الثياب التي تناسبها. بعد ذلك تبدأ تجربة العيش في هذا «المجتمع الافتراضي»، حيث يتمكن اللاعب من التحليق في السماء ثم الهبوط والتحدث مع الآخرين.
ويبدأ اللاعب «حياته الثانية» (إشارة الى المعنى الذي يحمله اسم الموقع) معدماً مفلساً، لذا يسعى الى الحصول على المال في أحياء مختلفة مثل حي «شجرة المال» التي يعبئ فيها استبيانات للحصول على المال. وكذلك يمكنه احتراف الرقص لاكتساب المال. وبعد إتمام شهر، يستطيع الشخص أن يبدأ مشروعه الخاص مثل اتخاذ متجر للثياب، أو الدخول في مشاريع هندسية أوغيرها من الأشياء التي تتناسب مع قدرات الشخص وأوضاعه في ذلك العالم الرقمي.
ويتجلى الحضور العربي في العالم الافتراضي متطرفاً (كعادته؟) ويتقلب بين متناقضات عدّة. ففي أحد الاشكال المتطرفة لهذا الحضور، نرى إسلاميين ينفثون غضبهم بسبب اضطهاد الغرب لهم، أو آخرين يعدون لقاءات سرية للتخطيط. وفي الطرف الآخر من الحضور عينه، ثمة من يقضي أوقاته بين مقاهي الرقص التي تصدح فيها أغان لمطربين مصريين، ويجلس فيها شبان وشابات عرب لاحتساء القهوة.
وتضرب العين المتجوّلة في شوارع «سكوند لايف» أمكنة اتخذت لنفسها أسماء مثل «نعم نحن شرق أوسطيون وإرهابيون» و»الدعوة إلى الإسلام» و»مقهى القاهرة» وغيرها.
وأبدى عدد من قُرّاء مُدونة السعودي الشهري إعجابهم بفكرة موقع «الحياة الثانية». وتساءل أحدهم إن كانت هناك فرصة للذهاب إلى السوق الافتراضي للتعرف الى الفتيات ومغازلتهن؟ في الوقت الذي اقترح فيه شخص آخر تكوين هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «إلكترونياً»، كما اقترح أكثر من شخص إنشاء مكتب للدعوة ونشر الإسلام وهكذا دواليك.
أمضى أحمد سليم (25 سنة ) أسبوعاً في العالم الافتراضي، إذ يتسلل إليه بعد دوام عمله هارباً من واقعه ليتمكن من التنفيس عن قلقه وضجره بمقابلة أشخاص من بلدان مختلفة. وتمكن أيضاً من كسب 20 الف دولار، إلا أنه يصرف أموالاً كثيرة لشراء ثياب جديدة، وتعديل صورته ليتمكن من محادثة أصدقاء جدد إلكترونيين. يصف أحمد تجربته بالقول: «ربما أمر بطفولة متأخرة إلا أنني أســتمتع بالدخول إلى عالم خيالي أفعل فيه ما أشاء... وأحياناً أقضي ما يزيد عن العشر ســاعات مــتجولاً في «الحياة الثانية».
وإذ ينضم «المتطرفون» إلى الأفراد والمنظمات الحكومية في موقع «سكوند لايف»، تغدو للعالم الافتراضي «نكهة» تُذكّر بما يحصل في الواقع. ولم يتردد بعض الخبراء في إبداء حذرهم من دخول متطرفين الى هذا الموقع، خشية تحوّله الى مكان بديل للقاء هؤلاء بعضهم ببعض. وفي هذا السياق، يشير رئيس المركز الدولي للعنف السياسي والإرهاب في سنغافورة روحان جوناراتنا الى «أن تنظيمات إرهابية تغلغلت في العالم الافتراضي... وربما سعت الى البحث عن أعضاء جدد او إجراء تدريبات لهم عبر الإنترنت»!
نداء أبو علي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد