مسرحية «الخبز اليومي» والصراع بين الذكورة والإنوثة
«لمن الحوار، ماجنسه ومن يقوده»؟
قبل انتهاء العرض المسرحي « لا على الترتيب أو الخبز اليومي» الذي قدم على خشبة مسرح «مجمع دمر الثقافي» ضمن فعاليات «دمشق عاصمة للثقافة العربية»، تحيل المخرجة الأردنية سوسن دروزة هذه الاسئلة على الحضور، وتشككه بكل التصورات التي كونها ولملمها من حوار شخصيتَي مسرحيتها.
في الحوار الذي بدت فيه الزوجة تضحي وتغار، بينما الزوج غارق في الأوهام والأحلام وعازف عن العمل والواقع، تتبدل الأدوار، ويمضي الزوج في الحوار ذاته الذي كان توطئة للشخصية التي تجسدها الزوجة.
الثنائية موجودة. لا فارق، ربما يكون هو الحريص والمتفاني وربما هي. وربما هما معاً، كل على طريقته، يتناوبان الحال ذاتها، حوار تسكنه الغربة، فالمشاحنات والمناكفات بين شريكين لا تعترف بالتبعية. هي تأتي في سياقات غير مضبوطة أو معروفة. هكذا يمضي الزوجان في المسرحية وقتهما: الزوج العاطل من العمل ينظر الى زوجته بوصفها امرأة مهووسة تأكلها الحياة العملية «والبزنس»، ويفضل البقاء في عالم الحلم على النزول ومعاركة اليوميات كما تفعل هي.
حوارات المسرحية اشارات ونقاط اعتـــلام فـــي علاقة تنوء تحت ضغط اليوميات وتحولاتها، هي اشبه بلقطات منفصلة وسريعة في «ريبورتاج» تفيد أخذ العلم بما يجرى لا الإحاطة به، وتطرح الاشكالية بحد ذاتها وبأسئلتها المؤنثة والمذكرة معاً.
النص من تأليف المخرجة دروزة، وهو إعداد بتصرف للوحة «الغرباء» عن نص للكاتبة الالمانية جيزينا دانك فارت، وكتب حوار المسرحية السوري نجيب نصير، وأعدها (دراماتورجياً) خليل درويش، فيما لعب دوري المسرحية أمل عمران وأيهم مجيد الاغا.
مسرحية مكثفة، ابتداء من ملصقها، وهو «بورتريه» مرسوم على شكل صورتين شخصيتين، واحد للمرأة وآخر للرجل. ملامحمها غائبة، الرجل تحت قناع من غيوم بيض وسماء زرقاء، والمرأة تحت باقة الزهور. الرجل بربطة العنق فوق صدر عار عليه سترة رسمية، والمرأة بثوب فوقه نصفا تفاحة (رسومات ريما مال الله) ويشارك الديكور البسيط (هالة شهاب) في زيادة جرعة الكثافة.
على خشبة المسرح كنبة وحيدة، والى جانبها قائم للإضاءة، وفي عمق الخشبة لوحة كبيرة تصوّر الديكور ذاته، وفيها لوحة ايضاً.
أظهر الممثلان طاقة وإمكانات مميزة في التنقل بشخصيتيهما بين تواتر سريع ومضطرب للحالات الانفعالية المكثفة. وجاء مشهدهما امام المرآة (افتراضية) وهما يقفان في مواجهة الجمهور ويستعدان للانطلاق الى العمل، ليتوج أداءهما.
مشهد يعج بالتناقضات والدوافع، ويكشف ان الحوارات هي منطقة دفاع متقدمة لدى الرجل والمرأة في الحياة المعاصرة، تأتي من التباس يتوالد على مدار اللحظة، يندلع ويخمد، ولا يوفر جنساً من دون آخر. التباس قاد المسرحية في البداية لتبدو كأنها تطرح النسخة المعاصرة للرجل الشرقي، لكنها ذهبت أبعد من ذلك لتضع الرجل والمرأة في كفة واحدة يتنازعان صراعهما مع الخوف والغربة اللذين يجردان العلاقة من اليقينيات، والتي تبدو في نهاية الامر مجرد محطات استراحة وليست ملاجئ آمنة.
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد