"مسار" مشروع وطني لتلبية احتياجات أطفال سوريا
(لم أعد أشعر بأن الأطفال في الغرب أوفر حظاً منا)، عبارة قالتها سيرين ذات الأربعة عشر ربيعاً، تعبيراً عن فرحها الغامر بخوضها تجربة التعلّم عبر اللعب ونشاطات عديدة ممتعة قدمها مشروع أطفال سورية الذي حمل مؤخراً اسم (مسار).
ومسار اسم اختاره الأطفال خلال استبيان أجرته المجموعة التي تبنّت مشروعاً يقدم فرصاً غير تقليدية للأطفال، للاكتشاف والتجربة والإبداع عبر التعلّم غير النظامي الذي تعتمد عليه دول عديدة في العالم لتنمية المهارات والملكات الإبداعية الكامنة لدى الأطفال، وما يميّز هذا المشروع ويجعله فريداً، هو تركيزه على بناء وعي وإدراك الشباب والأطفال للمسؤوليات الاجتماعية، وليس فقط تزويدهم بالمعرفة، وهو أمر ينضوي على أهمية قصوى، خاصة إذا علمنا أن 40٪ من سكان سورية تحت سن الـ 15، وبذلك فإن هذه البادرة تدعم استراتيجية البرنامج الوطني للتنمية البشرية طويلة الأمد، لأن الاستثمار في التطوير يجب أن يركز على هذه الفئة.
ولا يطرح هذا المشروع الطموح نفسه كبديل عن العملية التعليمية في التعليم النظامي، بل كمكمّل ورديف لبناء عقول حرة وناقدة وتطوير الطاقات، ولكنه يختلف عن التعليم النظامي بعدة أمور:
ان هذا النوع من التعليم ليس إلزامياً، فيختار الأشخاص الحضور أو التغيب، لذلك يجب أن يكون من أجل المتعة، ولا يوجد منهج ثابت أو امتحانات لتقييم درجة التعلّم، فالمشاركون في هذا البرنامج يختارون ما يودّون تعلّمه أو تجريبه، ويبتعد أسلوب التعليم هنا عن الشكل التقليدي في التلقين الآلي.
حب المعرفة هو الدافع الأساسي للزيادة، ويقدم من خلال هذه العملية التعليمية المختلفة مقولات هامة يستفيد منها الأطفال في مرحلة تكون شخصيتهم لحياتهم القادمة، فهو يطلق دعوة للحوار عبر نشاط أقبل عليه الأطفال كثيراً (فلنتحاور)، تثار فيها قضايا يرغب الأطفال بطرحها وإبداء الرأي حولها بكامل حريتهم، ويتدربون على مهارتين مهمتين في الاستماع والتحدث واحترام آراء الآخرين، والتزود بالحساسية لفهم حالات الناس الأخرى، والرد بشكل بنّاء على ما يقوله الناس لهم، ويقدم من خلال عدة أنشطة مدروسة فرصة للتحليق في الخيال، والخيال يعني القدرة على التركيز والحلم والخلق والارتجال وبناء عناصر جديدة.
وفي نشاط التنقيب يستخدم الأطفال مهاراتهم في التخيّل ليفكروا كيف عاش الناس في الماضي.
وفي نشاط القصة يذهب الأطفال في رحلة خيالية وتظهر طاقاتهم الإبداعية من خلال تفسير المعلومات، وكيف يعبّرون عن أنفسهم، ولهذا النوع من الأنشطة تأثيرات طويلة الأمد، فالأطفال الشباب يستطيعون استخدام الإبداع لحل المشكلات، والتفكير بطرق جديدة للتعامل مع التحديات، فالإبداع يساعد الجميع كي يكونوا مهيئين وقادرين على مواكبة التطور السريع في عالمنا المتغير.
(مسار) بعيون الأطفال
وسنورد بعض القصص التي عكست فرح الأطفال الغامر بهذا المشروع، وتعطّشهم لوجود من يسمعهم ويقدم لهم فرصة الاكتشاف والإبداع والتعبير عن مواهبهم الدفينة:
- طفل لم يتجاوز سنواته الخمس، جاء منفرداً منذ بداية نشاطات المشروع، وعندما سأله أحد أعضاء الفريق: لماذا لم يأت معه أحد والديه، اعتبر الأمر استصغاراً لشأنه، فهو طفل يعرف ماذا يريد وإلى أين يأتي، وأحضر أصدقاءه في اليوم التالي برهاناً على ذلك.
- واظب الأطفال (في المركز الثقافي في مخيم اليرموك) على الحضور يومياً قبل الموعد بساعة، وكانوا ينتظرون أعضاء الفريق الأخضر لعلهم يأتون قبل الموعد المقرر، وكانوا يشاركون بحماس منقطع النظير.
- الطفل معتز حضر إلى المركز الثقافي بكفر سوسة، ولكن ليس كطفل عادي يشارك في نشاطات ممتعة، بل كمراقب وصاحب رأي أيضاً، فقد أحضر كاميرته معه، وبدأ يعدّ تقارير مصورة عن هذا النشاط المميز، ويلتقي بالأطفال ويسألهم عن آرائهم وانطباعاتهم، وقدم اقتراحات كثيرة في الاستبيان الذي وُزع على الأطفال المشاركين، ولم يكتفِ بتصوير النشاط في كفر سوسة، بل تبع الفريق إلى داريا أيضاً.
- بعد زيارة السيدة أسماء الأسد لمدرسة الصم والبكم في الرقة، خاض الفريق الأخضر تجربة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال العاديين في مدارسهم، فكانت تجربة متميزة تعلّم منها الجميع، فقد أظهرت مواهب فريدة واستجابة سريعة لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلّمت الأطفال كيف يتعاملون مع أصدقائهم المختلفين ويتفاعلون معهم.
- أحد الأطفال عبّر عن سعادته بنشاط التحاور وقال: رغم أنني خجول وكنت أتردد في إبداء رأيي، لكنني هنا عبّرت عن رأيي بطلاقة وأحسست أن الجميع أصدقائي.
- واظبت سيدة على القدوم مع أطفالها إلى أكثر من مركز ثقافي لمتابعة نشاطات المشروع، وكانت تسجل بعض الملاحظات لأنها أرادت الاستئناس بها لتتفاعل بشكل أمثل مع أطفالها.
- استقبلت المراكز الثقافية في المحافظات السورية على مدى عام كامل ليس الأطفال فقط، بل واستقبلت آباءهم وأمهاتهم، ولوحظ توافد عدد كبير من الجدات والأجداد لمتابعة أحفادهم في مدرسة الصم والبكم في دمشق عندما شارك جزء من الطلاب في النشاطات أقام بقية الطلاب من الذين لم يحضروا اعتصاماً رسمياً لتتاح لهم الفرصة ذاتها لحضور مثل هذه النشاطات.
مركز استكشافي
الخطوة المتقدمة التي يعتزم (مسار) أن يخطوها قريباً هي تأسيس مركز استكشافي على ارض مدينة المعرض القديم يكون مقراً يقصده الاطفال من كل مكان لخوض هذه التجربة الفريدة في التعلم واكتساب المعرفة بطرق غير تقليدية ووفق برامج متطورة تضم احدث التقنيات وتقول السيدة دينا شيخ الشباب حول هذا الموضوع: كانت جولاتنا على المحافظات السورية بمثابة اختبار لنرى ماهي احتياجات اطفال سورية في التعليم غير النظامي وقد طورنا اشياء كثيرة بناء على ملاحظات الاهالي وسنعمل على إحداث مركز استكشافي علمي وسنستفيد من تجاربنا في الجولات لتطوير افضل منهاج علمي وتجريبي في المركز الذي نطمح ان يكون له فروع اخرى في المحافظات، وحول النشاطات التي يتوقع ان يضمها هذا المركز تضيف السيدة دينا: سيكون هناك معارض دائمة ومعارض متغيرة وورشات عمل تتناول مواضيع مختلفة: فلك- علوم طبيعية ومواضيع اخرى وهذا يتطلب تدريب كادر خاص بمركز الاستكشاف يمكنه ادارة هذه الورشات بكفاءة ويمكن أن نستقبل اخصائيين يقدمون للاطفال معلومات اكثر عمقاً وسيكون هناك استديو خاص ببرامج تلفزيونية ينفذها الاطفال ومطبوعات خاصة تتوجه للاطفال او يكتب فيها الاطفال اضافة الى وسائل تعليمية ترفيهية، هدفنا ان يكون العلم متعة فعندما تشترك الحواس بالعملية التعليمية يصبح التعلم اكثر فائدة ومتعة وسيكون هناك تعاون وثيق مع وزارة التربية فقد طلبت منا الوزارة ان يصبح المركز الاستكشافي نوعاً من التطبيق العملي للمعلومات النظرية التي تقدمها المدارس ليكون تلقي المعلومة اكثر رسوخاً فالاحصائيات العلمية في دول اخرى اظهرت ان التعلم غير النظامي يرفع من نسبة تقبل المعلومات. ونحرص ان تكون تجهيزات المركز التقنية على اعلى مستوى فسيكون هناك شاشات لمس وتحاور عن طريق الشاشات وشاشات تلفزيونية كبيرة وتقنيات الكمبيوتر والانترنت بحيث يجد كل طفل ما يرغبه ويحبه في المركز وسنحاول أن نلبي كل هذه الاحتياجات، نريد ان يشعر كل طفل سوري أن هذا المركز له وأنه سيجد فيه كل ما يفيده ويمتعه، قد يكون لهذا المشروع شبيه في دول عديدة ومجاورة ولكن الذي يميز(مسار) انه انطلق من احتياجات اطفال سورية وبنى نفسه بينهم وكبر معهم وهو لايهتم فقط بإعطاء المعلومة للطفل بطريقة تمزج بين التعليم والترفيه ولكنه يشجع الاطفال على تحمل المزيد من المسؤولية ويثير افكارهم عن المواطنة والمشاركة الفعالة في بناء المجتمع وهذا مايجعل من (مسار) نواة لمشروع وطني طموح يتيح الفرصة للاطفال ليستثمروا طاقاتهم وامكاناتهم بشكل خلاق يمنحنا الامل بمستقبل افضل.
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد