خطيئـة فنيـة
يلحظ المتابع للمسلسلات السوريّة تقاطعها في نقطة مشتركة، تكاد أن تصبح «ثيمة» رئيسة لها، مـع أنها خــطأ فنّيّ، بل خطيئة فنّيّة متكرّرة، تتعلّق بالصوت وتقنيــاته. يمكن ذكر أمثلة عديدة تؤثّر على سير المسلــسل برمّته في هذا الإطار، كأن يُسمـع صـوت المتــحدّثين فقط دون كلّ الأصوات في مقهى يعجّ بروّاد لا يُسـمَع لهم أيّ صوت أو صدى حركة أو همسة، فيبدو أولئك الناس، عدا الممثّلين، كمن يتحدّثون بلغة الإشـارة في ما بينهم، فنرى كمشاهدين الحركات والتمايلات من دون أن نسمــع صوتاً مرافقاً، أو جلبة هي من سمات أمكنة كتلك التي تصورها الكاميرا.
المفارقة هنا، ان الملاحظة تسجل تحديداً عندما يتناهى إلى الأسماع، وبوضوح وجلاء، صوت الممــثّلين وهم يتجاذبون أطراف الـحديث همساً، أو يتبــادلون الأســرار في ما بينهم، فيكـون تركيز المـشهد على مصدر الصـوت، في حين تهمَّش الخلفيّة المواكبة تمامــاً. هذا ما يبدّد جزءاً كبـيراً من الواقعيّة المزعومة التي تسعى أعمال كثيرة إلى التحــلّي والاتّصاف بها. وبرغم ان تقنيات عــديدة يعرفها المخرجون ويستعملونها أحياناً تمكنهم من تسجيل الأصوات المفترضة في المكان وإعادة تطعيم المشهد بها، فغالباً ما يحاول المخرجون الاستعاضة عن هذا الجهد بالموسيقى التصويريّة التي قد تحمَّل أكثر من مهمّتها.
ومن ذلك ما ورد في مسلسل «باب الحارة»، خاصّة لجهة الأحاديث التي كانت تجرى في المقهى والتي يكون «أبو حاتم» محورها وركيزتها، وكذلك الأمر في «أهل الراية» حيث كان المقهى مكان تجمّع أهالي الحارة، حيث الحوارات مع الزعيم «أبو الحسن» (قام بالدور جمال سليمان)، كما أنّ هذه الملاحظة تكرّرت في أكثر من حلقة من حلقات «أهل الغرام». من جهة أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بدا كأنّ صنّاع مسلسل «الانتظار» قد حاولوا تلافي خطأ إغفال الصوت، بالتركيز على أصوات الشارع أو السوق، والتقاط مختلف الأصوات من هنا وهناك، لنقل الصورة حيّة وغير مغشوشة.
هذا يدفع إلى السؤال حول مدى العلاقة الوثيقة بين الصوت والصورة، ولماذا يحلّ التنافر بينهما في الأعمال المصوّرة في حين يُستوجَب عكس ذلك؟ بمَ يبرّر صنّاع المسلسلات تهمــيش الخلفيّة الصوتيّة؟ هل يعود ذلك إلى قصور الكفاءات عن بلوغ ذلك أم هو استخفاف بالجمهور المتلقّي المنفعل أكثر ممّا هو منـتقد بفاعليّة؟
هيثم حسين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد