«الحلو ما يكملش» على «الدنيا»!
تميّزت فضائية «الدنيا» السورية الخاصة منذ بدء بثها التجريبي قبل سنتين تقريباً، بإعطاء معظم الفرق الموسيقية التي تقدّم أنشطتها في دمشق حيزاً كبيراً من ساعات البث، فتعرف المشاهدون الى الفرق التي شكلها الفنانون السوريون الشباب والذين يقدمون أفكاراً موسيقية مغايرة لما هو سائد، سواء من جهة الغناء أو من جهة تعزيز الموسيقى الآلية، وكانت برامجهم تؤكد إضافاتهم وجهودهم في تقديم ما هو خاص بهم موسيقياً.
تعزيز ما هو جديد موسيقياً أعطى «الدنيا» حضوراً لدى المشاهدين، لا سيما في المحافظات، هؤلاء الذين لا تتسنى لهم متابعة تلك الحفلات في العاصمة. وبهذا التعزيز أضحت الفضائية صوت معظم هؤلاء الفنانين الجدد من خلال تقديمهم للجمهور وللمهتمين بالشأن الموسيقي، وترويجها لإبداعاتهم داخل سوريا وخارجها، فكرّست تميزها كفضائية في هذا الشأن، في حين حافظت الفضائية السورية الرسمية على نأيها عن الاهتمام بتلك الفرق، مكتفية بريبورتاجات سريعة عن بعض الحفلات. لكن على ما يبدو «الحلو ما يكملش»، فعندما أرادت «الدنيا» أن تقدم مادة ثقافية فنية أخرى، وقعت في بئر الاختيار غير الموفق، إذ اختارت عروضاً مسرحية لفرقة «المهندسين المتحدين» التي اتفق معظم المسرحيين ونقاد المسرح حول عدم نجاح تجربتها، وهي فرقة حلبية تقول إنها تقدّم المسرحيات الكوميدية، يرأسها الممثل والمهندس همام حوت. والمدقق في تلك المسرحيات يجد أنها تقوم على أنواع الكوميديا البدائية أي «التهريج» وقوامه صخب وخشونة في اللفظ، وحركات بهلوانية في الأيدي والأرجل. كما تعتمد تلك المسرحيات على اللغة والنكتة، لا على الحوار الذي يولد الصراع الدرامي، ويطور الحبكة، ما يجعلها تصلح فقط للبث الإذاعي، لأن لا أهمية للصورة التي تقدمها، هذا فضلاً عن أنها ضاجة بالمباشرة والخطابية ما يجعلها تنأى عن الفن.
هذا الاختيار غير الموفق من «الدنيا» لمادة مسرحية جذابة فكرياً وفنياً والذي بدا ان هناك إمعاناً فيه، يناقض الحيز الذي خصصته للموسيقى، وهو ما قد يؤكد أن لا سياسة إعلامية لدى القناة، وأن ما كرسته من وقت بثها لعرض الحفلات الموسيقية لم يكن نابعاً من منهجية في تقديم مادة ثقافية راقية، بل هو فعل غير مدروس فرضه عدم توافر مواد إعلامية لديها. فهل استسهلت «الدنيا» تصوير تلك الحفلات وعرضتها؟
كان لدى «الدنيا» خيارات أخرى حقيقية بالنسبة إلى المسرح، إذ ان عروض المسرح القومي، وعروض الفرق الخاصة التي قدمت توافر في معظمها مقومات فنية وفكرية إبداعية، هي أيضاً مادة منتجة لا تحتاج إلاّ للتصوير، ولو عرضتها القناة لحققت تمايزاً آخر حفظ التمايز الأول، وكرّسها فضائية تهتم بحركة إبداعين اثنين تمور بهما دمشق، ولساهمت في تصدير عمل المشتغلين بهما، وهي مهمة اقتصادية - ثقافية لأي وسيلة إعلام وطنية!
نضال بشارة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد