الاحتجاج «الحلبي» والأبـواب المغلقـة
لمَّا بدأت الدراما السورية في تأسيس ركائزها في أوائل الستينيات من القرن الماضي مع افتتاح التلفزيون؛ كانت تسعى إلى خلق حالةٍ درامية محلية بنكهةٍ شامية. لم تكن الانطلاقة ضدَّ الحضور المصري الذي كان يحتل مساحات واسعة من ساعات البث التلفزيوني، بل كانت تجربة لفتح الباب أمام الفنانين السوريين كي يختبروا ويجربوا بأنفسهم. يومها، كان الراعي الأول لهذه الدراما هو التلفزيون السوري. ويومها تعرَّفنا على دريد لحام ونهاد قلعي وعمر حجو ونجاح حفيظ ورفيق سبيعي ومحمد خير حلواني وناجي جبر وكثيرين غيرهم.
اليوم، صارت الدراما السورية صناعة لها اسم يرن في العالم العربي. لكنَّ بعض عناصرها باتوا ينتقون بعقلية رجعية تريد تقديم «ولاء الطاعة» لرؤوس الأموال المتحكمة بها. وبذا تمَّ استبعاد كثير من الأسماء اللامعة التي أسَّست وحسَّنت من سمعة و«نسل» هذه الدراما، سواءً في التلفزيون الذي يعتبر الأب الحقيقي لهذه الدراما؛ أو شركات الإنتاج الخاصة التي تعمل بأموال عربية. عملياً خلقت النقطة الأخيرة فجوات وانقطاعات واختلالات في التوازن ما بين رأسمال المال والقطاع العام؛ وما بين الممثلين، وخاصَّة الآتين من حلب الذين باتت شكاوهم الدائمة تتمحور حول استبعادهم تقريباً عن الدراما. هذا الاستبعاد لممثلي مناطق دون أخرى، أفسد الحياة الفنية والثقافية في سوريا؛ بل قضى على ولادة أي حركة غير مركزية فيها بذور لمشروع درامي يحترم العقل الذي تأسٍّس بعض منه على يدي المخرج هيثم حقي. فاليوم، تكاد لا ترى اسماً لممثِّلٍ حلبي في مسلسل درامي ينتجه التلفزيون السوري أو الشركات الخاصة، هذا إذا وضعنا جانباً واقع ان التلفزيون السوري قد تخلى عن إنتاج المسلسلات الدرامية لمصلحة القطاع الخاص، إذ ينتج في العام الواحد مسلسلاً أو مسلسلين فقط، وهذا الأمر يستحق وحده وقفة تسأل عن الأسباب والدوافع الحقيقية.
المخيف أنَّ ممثِّلاً بقامة عمر حجو، الذي لعب دوراً مهماً في الحياة المسرحية السورية بدأه مع مسرح الشعب في حلب ومسرح الشوك ثمَّ مع مسرح دريد لحام ومحمد الماغوط؛ اشتكى مما أسماه معاملته «كأجير» جعلته يحس كأنه طُرِدَ حين زار المدير العام للإذاعة والتلفزيون منذ أيام، ليطالبه بإعادة الاعتبار إلى الدراما السورية وضرورة دخولها في الانتاج من جديد، عدا تشديده على إعطاء حصَّة للممثلين الحلبيين الذين لايقلُّون موهبة وخبرة عن باقي الممثلين السوريين. وهنا طبعاً لا يصعب أبداً تعداد عشرات الأسماء لممثلين موهبين إلى جانب عمر حجو، فهناك رياض وردياني، عهد فنري، محمد ناصيف، ناصر وردياني، موسى الملا، فايز أبو دان، أسامة السيد يوسف، رضوان سالم.. وأسماء كثيرة أخرى من جيل الشباب.
إلا ان الصد غير المبرر الذي قوبل به الفنان حجو، هو في حقيقة الأمر جزء لا يتجزأ من سياسة توقُّيف إنتاج الدراما السورية التي بدأها التلفزيون السوري ولا نزال نذكر منها «أسعد الوراق» و«مذكرات حرامي» و«حمام الهنا» وغيرها.. فهل هذه مسؤولية وزير الإعلام أم المدير العام للتلفزيون خاصَّة بعدما أثبتت ردات فعله سوء تعاط فاضحا مع الفنان عمر حجو الذي هو بحق قيمة ثمينة من قيم الفن الجميل إن في المسرح أو في التلفزيون، والذي لا تزال الحياة تنبض في أعماقه رغم بلوغه سن الثمانين؟
يحق لنا السؤال عن سبب توقف أو بالأحرى توقيف الدراما، وأسباب انتقاء العاملين فيها من دوائر محددة. وأكثر من ذلك، لا يمكن السكوت على رد مطالب بالحق من وزن حجو بطريقة لا تليق بتاريخه ولا بحاضره.
أنور محمد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد