«وجهُ العدالة» تلفزيونياً ليس شفافاً دوماً
يتناول المسلسل السوريّ «وجه العدالة» من إخراج سيف شيخ نجيب، والمأخوذ عن السلسلة الإذاعيّة «حكم العدالة» التي بثّت لسنوات طويلة على إذاعة «دمشق»، القضايا الجنائيّة التي تكثر في المجتمع السوريّ. لا تفقد الصيغة البوليسية جاذبيتها عند المشاهدين كما عند المستمعين قبلاً، يحاول الكاتب المحامي هائل اليوسفيّ أن يطوّر القصة عبر تعاطٍ مع الشخصيّات يختلط فيه حس المحامي القانوني مع حس الكتابة الدرامي، ويلاحظ كيف يتّكئ اليوسفي على جذور القصص الواقعيّة، يلتقط أدقّ التفاصيل عن الكثير من الجرائم، ولكنه يعود أحياناً ويبالغ في دور المحامي والمحقّق في التنقيب عن المجرمين.
في الإطار نفسه، بدا أنّ تحويل المسلسل من إذاعيّ إلى متلفَز قد فرض نوعاً من التغيير على بعض مجرياته، عدا عن العنوان. ففي المسلسل الإذاعي مثلاً كانت العدالة هي المنتصرة دوماً، بحيث يتمّ الكشف عن المتّهم وإدانته، ثمّ تنطق المحكمة بحكمها عليه، ولم يكن أحد ليتدخل معرقلاً الحكم، حيث يعترف المجرم بجريمته، يتندّم، ليتقبّل بعدها الحكم صاغراً. أمّا المسلسل المتلفَز، فقد ابتعد نوعاً ما عن النهايات السعيدة، تلك النهايات المنشودة التي يرغب الناس في سماعها، لا تلك الواقعيّة التي تتكاثر في الواقع الذي يكتنفه الفساد، ويغرقه في كثير من الأحيان. ذلك أنّ المسلسل يعرض وجهاً للعدالة، لا وجوهها المتباينة، يتخطّى فيها مشرّعو القوانين قوانينهم تحت ذريعة حمايتها. لتسود شعارات مضحّية بالقانون مثل: «خُلِق القانون ليخترق»، أو «يطبَّق القانون على الفقراء فقط».
يبدو أنّ القيّمين على المسلسل أدركوا خطأ النهايات السعيدة، فحاولوا الالتفاف على الرقابة، وبثّ روح السخط في الحكايا المعروضة، فنجد أنّ المحقّق (يقوم بالدور الممثل سامر المصريّ) كثير الاستعانة بالمساعد «جميل» الذي يُعرَف في المجتمع السوريّ على أنّه نموذج الجلاد المخابراتيّ، بصيغته المعاصرة، يكشف النقاب على ملابسات الجرائم، يجتهد في تأويل الدوافع، يصل إلى نتائج خارقة، لكنّه يصاب بخيبة أمل كبيرة، عندما يأتيه هاتف من السلطات العليا، تأمره بتقييد الجريمة ضدّ مجهول. تتعدد نهايات مشابهة في المسلسل، كان آخرها حلقة الأربعاء المنصرم التي كاد فيها المحقق يدين المجرم، لكنّه أحجم بعد تلقّيه مكالمة تأمره بوجوب إغلاق الملفّ.
هنا تسجَّل جرأة ما للعمل، لكنّ هذه الجرأة تبقى منقوصة، لأنّها لا تتعدّى إدانة المجهول الذي يحتمل أكثر من معنى، تترك باب التأويل مفتوحاً، لتشكّل نوعاً من البشارة للمواطن أنّ المسلسل يعري المسؤولين الغارقين في الفساد، ويكشف ألاعيبهم. لكن ذلك أيضاً لا يمنع التركيز على ان الفساد المتغلغل في روح وقلب العدالة يقصّ أجنحتها، ويبقيها رهينة الممارسات اللامسؤولة.
هكذا، يكتفي المسلسل بالطرح والعرض ورمي الفكرة سريعاً، بعدما كان يعرض ويدين ويحكم. يعتمد الانتقال السريع لحركات الكاميرا، ناقلاً سرعة المواقف، وسرعة التتبّع، والملاحقة البوليسيّة إلى المشاهد ليبقيه متأهّباً متابعاً عرضاً بوليسيّاً شائقاً، متباين النهايات.
حتى اللحظة، يركّز المسلسل على القضايا الجنائيّة، التي تدور بمعظمها حول الطمع والانتقام، يتجاهل الخوض في بعض الجرائم والاغتيالات التي يمكن أن تحيل إلى السياسة. كما أنّ المسلسل يثير بصيغته هذه أسئلة حول اتّكاء الدراما السوريّة حديثاً على نجاحات إذاعيّة سابقة. فهل هي بارقة أمل بالعودة إلى الذاكرة المشكّلة واستفزاز مكرساتها، لكن عبر تفعيل الحنين إلى بعض ما علق فيها، أم أنّ الأمر ينذر بجفاف ينابيع الدراما التي يحظَّر عليها الاقتراب من كثير من المحظورات؟
تعرضه قناة «روتانا خليجيّة» التاسعة والنصف مساء وتعيد عرضه الساعة الثالثة عصراً بتوقيت دمشق
هيثم حسين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد