كاميرا لا تحكي
حديثاً بدأ العرب يتعارفون من خلال الدراما، ولأنهم قليلو السفر تجاه بعضهم تراهم يحفظون الكليشهات الجاهزة التي يطرحها التلفزيون، حيث مفردات «المعلمة والمعلم والجمعية جابت فراخ وملوخية حتاكل صوابعك وراها» (مصرياً) و«العكيد والخانم وأبو صياح وتقبرني وكسر الصفرا» (شامياً) وغيرها من العبارات التي يحفظها معظم من يشاهد التلفزيون، أصبحت اليوم أسهل طريقة للتعارف السطحي المتخيل الذي لا يشبه الواقع في شيء، حيث إن الدراما العربية لا تعكس الواقع ولا تحاكيه، بل تقفز فوقه نحو عالم من المتاهة والضياع.
العرب في السنوات الماضية تواصلوا من خلال دراما مسلسلات رمضان، عندما كان هناك تسابق محموم بين المحطات الفضائية العربية للفوز بنصيب الأسد من البرامج والمسلسلات الدرامية التي يتم إنتاجها خصيصاً للعرض خلال شهر رمضان، بلغت تكلفة إنتاجها ملايين الدولارات وشكلت كعكة كبيرة للعاملين في هذا الحقل ليحوز كل منهم نصيباً كبيراً، فقد تحول التلفزيون في رمضان سنوياً إلى أحد أكبر مصادر التسلية والدخل عربياً. وكلما زادت أهمية العمل التلفزيوني كلما أخذ مساحة أوسع للعرض في أوقات المشاهدة الذروة.
وفي ظل الحدود والقيود تجاه السفر عربياً لم يستفد المشاهد من الجغرافيا التي تقدمها الدراما لأنها ليست بصرية وكاميرا المشهد مغلقة على كادر صغير من الغرفة أو الحي وبإمكانيات قليلة يحول صناع الدراما ما هو فن بصري إلى فن إذاعي، حيث يمكن سماع المسلسل دون مشاهدته، فالكاميرا لا تحدث فرقاً بصرياً لأنها دون لغة وما يمكن سماعه من عبارات يلفظها الممثل لا تغير شيئاً من كون المسلسل التلفزيوني العربي هو ذاته المسلسل الإذاعي ولكن الفرق بينهما هو جهاز العرض.
ألم يشاهد مخرج المسلسل العربي فيلماً أجنبياً، ألم يتساءل عن سر الكاميرا المفتوحة صوب المدينة والتي ترصد إيقاع حياة حقيقية وليست خيالية مبنية في استوديو قليل التقنية، أَم تراه يتذاكى على المشاهد، في وقت لم يعد فيه التذاكي مفيداً، والمشاهد يتابع مئات المحطات الأجنبية معظمها يبث أفلاماً عالية الصناعة مليئة بكاميرات تحكي وليس ممثلين يتصارخون «الجوازة دي مش لازم تتم».
لقد أكد التلفزيون أن العرب أمة سماعية من خلال التركيز على حوارات مطولة، ولكثرتها علقت في ذهن المشاهد وهي وسيلة التعارف المتاحة في عشرية الألفية الثالثة أمام الانسان العربي، وكان يمكن إرفاقها بمشاهد بصرية لقاهرة اليوم أو دمشق المعاصرة، لكن للأسف لا يرى العرب من بعضهم سوى «سماعيات» تدل على بعدهم الجغرافي والثقافي تجاه أبناء جلدتهم، بينما تراهم يحفظون خارطة لندن أو باريس عن ظهر قلب.
حسين درويش
البيان 11 أكتوبر 2009
إضافة تعليق جديد