«وطـّي الصـوت وعلـّي الصـورة» عنـوان قديـم لحديـث متجـدد

07-12-2009

«وطـّي الصـوت وعلـّي الصـورة» عنـوان قديـم لحديـث متجـدد

لا يختلف اثنان على أهمية الفيديو كليب في انتشار الأغنية اليوم ونجاحها، ولا على أن الأغنية المصورة باتت تعد فناً قائماً بحد ذاته، ارتبطت به أسماء فنية عديدة واشتهرت من خلاله في العالم العربي.
أكثر من ذلك، استطاع هذا الفن أن يقدم للسينما والتلفزيون مخرجين مميزين دخلوا إلى عالم الشاشة الكبيرة من بوابته، تأتي في طليعتهم المخرجة المتميزة نادين لبكي صاحبة فيلم «سكر بنات». إلا أن معارف الكثيرين ممن عملوا في إخراج «الفيديو كليب» ظلت أسيرة مقدراتهم الفنية على التعامل مع الصورة وإبهارها، فبدت الصورة في الفيديو الكليب متقدمة بكثير عن السيناريو المفترض للأغنية التي يُقدم عنها. ورغم أن الجدل الدائر حول مدى علاقة الفكرة التي يقدمها الفيديو الكليب لإحدى الأغاني بمضمون الأغنية نفسها لم يحسم حتى الساعة، إلا أن الواضح أن فكرة الكليب التي تولد من رحم الأغنية ذاتها هي الأقدر على تقديم الأغنية. هنا يمكن استرجاع السينما الغنائية الكلاسيكية في مصر التي قدمت ما يمكن اعتباره الشكل البدائي للفيديو كليب الذي وجد تعبيره الأمثل بتصورنا في أغنية «جانا الهوا» التي قدمها الفنان عبد الحليم حافظ مع الفنانة ميرفت أمين في فيلم «أبي فوق الشجرة»، والتي جاءت وفق رؤية إخراجية أقرب إلى مضمون الأغنية. بكل الأحوال، بقيت بهرجة الصورة هي الأساس في الفيديو كليب، وهو الأمر الذي أرساه بالتأكيد الشكل الغربي للأغنية المصورة، وهو الشكل الملهم الأساسي للفيديو كليب العربي الحالي.
ولعل ضعف كلمات الأغاني وتراجع أولوياتها أمام بهرجة الصورة ساهما في سيادة هذه الأخيرة. مؤخراً، منح الفيديو كليب مهمة إضافية هي تعويض بواطن الضعف والنقص في الأغنية ومغنيها، الأمر الذي استلزم رفع مستوى غواية الصورة بكل ما يلامس الشهوة حتى لو كانت المشاهد أكثر جرأة من الأفلام السينمائية التي تجد في الجنس صورة لا يمكن التخلي عنها في إطار سرد أي قصة واقعية. على هذا النحو، بدا الفيديو كليب العربي في غالبه أقرب من تعبير «وطي الصوت وعلي الصورة» الذي جاء عنواناً لمقالة نشرت منذ سنوات في صفحة «صوت صورة»، والمثير أن هذا التعبير يبدو متجدداً وأكثر معاصرة يوماً بعد يوم.
لا نأتي بجديد بكل ما أسلفنا، بل يمكن لنا أن نأخذ دور محامي الشيطان لندافع عن «مقام الصورة المتخمة بالشهوة» باعتبار ذلك شرطاً لما يعرف بمتطلبات السوق، ويمكن لنا أن نغض الطرف عن سؤال يطرحه البعض حول «رسالة اجتماعية مفترضة للفن تأتي في لبوس التسلية والترفيه». إلا أن ما يثير أسئلة الاستغراب أحياناً يتعلق بجدوى تقديم الإغراء في أغنية للأطفال كما فعلت «هيفا» وغيرها من الفنانات مؤخراً. وإن كانت الإمكانيات الصوتية المحدودة لهيفا وزميلاتها تدفعهن لابتكار ما على صعيد الصورة، ما يخلق لهن عذراً يحق لنا ان نقبله أو لا نقبله، لكن من لا عذر له هو من يضيف عامل الجهل إلى التعبير، كما كانت الحال في الفيديو كليب الأخير للفنان عبد الله الرويشد «غالي أنت»، الذي يزاوج فيه الرقص المتحرر (من الكثير من الثياب) مع راقصي المولوية ذات الأصول الصوفية. فتبدو الصورة هجينة ومستهلكة تنم على جهل صانعي الكليب في منابع الرقص ودلالاته.
يستطيع صانعو الفيديو كليب أن يكونوا فنانين من العيار الثقيل، إلا أن لا معنى لما يقدمونه ما لم يقدم بمضمونه قيمة ما، أبسطها تقديم متعة الفرجة التي تحترم ذائقة فنية عالية. يمكن لمن شاهد فيديو كليب الفنانة شاكيرا الأخير «ديد إيت أغاين» أن يقع على نموذج من هذا النوع فيه الكثير من الجرأة والكثير من الفن أيضاً، لكن المشكلة عندما تصبح الجرأة عنواناً مقترناً بالجهل الفني، ما يُسقط الصورة وصوت صاحبها معاً.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...