مصر: معركة التعديلات الدستورية وقطار التوريث
مضى عام على إطلاق الرئيس المصري حسني مبارك، خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، وعده بأنّ العام 2007 سيكون عام التعديلات الدستورية في البلاد، وهو التصريح الذي احتفت به المؤسسة الإعلامية الحكومية آنذاك معتبرة أنّه سيضع مصر على عتبة التطوّر الديموقراطي .
وفيما بدأت تتضح ملامح هذا الوعد من خلال طبيعة التعديلات التي يرغب الحزب الوطني الحاكم إدخالها على دستور العام ,1971 والتي تشير بوادرها الى انّها أبعد ما تكون عن التطوّر الديموقراطي المنشود، يتوقع أن يقر الحزب الحاكم هذه التعديلات في مؤتمره السنوي الرابع الذي يعقد الثلاثاء المقبل.
وتأتي هذه التعديلات في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل بين المعارضة والنخبة الحاكمة حول طبيعة التعديلات، وما إذا كانت خطوة تقرب من عملية التطور الديموقراطي في البلاد أم عملية توريث السلطة؟
وتبدي مصادر الحزب الوطني، التي تحدثت ل السفير ، مراوغة في ما يتعلق بهذا الموضوع، حيث إنها لم تحدّد المواد الدستورية التي سيتم التطرق إليها، مكتفية بالحديث في العموميات، مشيرة الى ان ورقة العمل المتعلقة بالإصلاح الدستوري التي ستناقش في المؤتمر ستتعرّض لقضية إعادة التوازن في الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لمصلحة تقوية الأولى، ومنح مجلس الوزراء مزيداً من الصلاحيات والضوابط على ممارسة رئيس الجمهورية للصلاحيات المخولة له، وكذلك مناقشة تبني نظام انتخابي جديد .
ولا تجيب مصادر الحزب الوطني عن العديد من التساؤلات والتكهنات، التي تعتبر موضع نقاش وجدل في أوساط المعارضة المصرية، التي تعالت أصوات بينها تحذّر بشدة مما تعتبره محاولات من قبل الحزب الحاكم لإدخال تعديلات دستورية، من شأنها التمهيد لانتقال السلطة بالوراثة، حيث أكد أحد المعارضين من حزب التجمع اليساري ، ل السفير ، أنّ كل شيء يفصّل من أجل توريث الحكم .
وتتهم المعارضة الحزب الحاكم بأنه ينوي إدخال تعديلات على المادة 88 من الدستور، المتعلقة بإشراف القضاء على الانتخابات، ما يهدف إلى تقليص هذا الإشراف وربما إلغائه، بحجة أن القضاة يجب أن يترفعوا عن الإشراف على الانتخابات بسبب التجاوزات التي شهدتها.
وتضيف أوساط المعارضة بأن الهدف من تعديل هذه المادة هو انتخاب الرئيس من دون إشراف قضائي، كما سيتمّ تعديل المادة 41 المتعلقة بقانون الطوارئ لتمكين الحكومة من إصدار قانون للإرهاب يحلّ محلّ قانون الطوارئ الذي حكم البلاد لمدة 25 سنة، الأمر الذي تعتبر المعارضة أن من شأنه أن يفرض قيوداً على الحريات العامة ويمثل اعتداء على حريات المواطنين.
وفيما يؤكد مسؤولو الحزب الوطني أن التعديلات لن تشمل المادتين 76 و77 المتعلقتين بطريقة انتخاب الرئيس ومدّة ولايته، فإن المعارضة المصرية تعتبر أن أي تعديل دستوري لا يأتي على المادتين المذكورتين سيكون بمثابة إعلان رسمي عن موت عملية الإصلاح السياسي.
وقد أثارت المادة 76 جدلاً واسعاً في البلاد، فهي بنصها الحالي، كما تقول المعارضة، ليست سوى تكريس لاحتكار النظام للسلطة ووضع قيود تمنع أي منافس، لا سيما في أوساط المستقلين، من الاقتراب من الرئاسة. كما تطالب قوى المعارضة بتحديد عدد الدورات الرئاسية باثنتين لا أكثر، فيما هي الآن غير محددة المدة.
وهناك محاولة من قبل بعض قوى المعارضة الوطنية، وعلى رأسها جماعة الأخوان المسلمين، لتقديم مشروع بالتعديلات التي تقترح المعارضة طرحها للنقاش، والتي تلبّي مطالب الإصلاح السياسي.
وكانت الكتلة البرلمانية للإخوان طرحت تصورّها لموضوع التعديلات الدستورية، وهي أكدت على ضرورة تعديل المادتين 76 و77 لتنصان على انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام السري، وأن تكون مدة الرئاسة خمس سنوات ومنع انتخاب الرئيس لأكثر من ولايتين. وقد أسهبت ورقة التعديلات الدستورية التي ناقشها الأخوان في ورش عمل مع عدد من خبراء القانون الدستوري في تحديد صلاحيات البرلمان وتقويض الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية، بل وتحديد طبيعة العلاقة بين الرئيس والسلطة التشريعية، بما يقضي على أي سمات استبدادية للنظام، وربما أهمها التأكيد على حق البرلمان سحب الثقة من الحكومة واشتراط موافقته على تشكيل الحكومة وعلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل إبرامها.
وهناك فريق آخر في المعارضة المصرية يرى أنه لا جدوى من إدخال تعديلات أشبه بالترميمات على دستور العام ,1971 السيئ الذكر، لأنه ركّز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، في حين أن المطلوب هو دستور جديد يكون أقرب في روحه وليبراليته من دستور العام ,1923 الذي يُضرب به المثل في أنه أرسى قواعد الليبرالية المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي.
إلا أن الأمر المؤكد هو أن معركة التعديلات الدستورية تبقى تفصيلة أخرى في الصراع الذي تخوضه قوى المجتمع المدني والمعارضة، بكل أطيافها اليسارية والناصرية والإسلامية، ضد توريث للسلطة يرونه قريباً.
أميمة عبد اللطيف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد