(كش دبان) قصص تلتقط الواقع بكاميرا من على ظهر ذبابة
تختار القاصة السورية هيفاء عجيب الواقع كبنية سردية لمجموعتها القصصية (كش دبان) دامجةً بين لغة اليومي وتفاصيله لنحت أكبر كمية من المفارقات متجاوزةً فن القصة القصيرة إلى ما يشبه سيناريوهات أدبية خاطفة تغرف من لغة الحياة معيدةً إليها بريقاً شعرياً خاصاً.
وتحيل الكاتبة عجيب رؤيتها الأدبية إلى ما يشبه مونولوجات مطولة راويةً إياها بضمير المتكلم ما يمهد لتناغم قرائي بينها وبين القارئ ففي قصة (غنم غنم) التي تفتتح بها مجموعتها الصادرة عن دار النايا بدمشق تؤرشف الكاتبة لما يشبه حيوات موازية لحياة حقيقية قوامها الحلم والرغبة في البوح المحض عن مذكرات منزلية تقترب في بوحها من مرارة وسخرية عالية من واقع يزخر بالوقائع المؤلمة.
وتلجأ عجيب في قصصها إلى أسلوب القص ذي الحبكة الدرامية النمطية ووفق تقطيع زمني متصاعد للتعبير عن شفافية الزمن ودوره في فعل السرد مستفيدةً من مونتاج أدبي لحكاياتها عبر توظيف أكبر طاقة ممكنة من الوصف والتعبيرية الأنثوية عن الأماكن والأشخاص والأزمنة كما في قصصها (فرسان المؤتمر- مدينة المعارض7-7-2007 متبعةً في ذلك لغة هينة وبسيطة للدلالة على مناخات سردية تحيل القارئ إلى بيئة العمل القصصي كوحدة مقطعية مغلقة على أحداثها ومنتهية كمصائر يكون فيها الواقع كاتباً بامتياز.
وتبرم الكاتبة عجيب بين عدة سير أدبية تجعلها متتابعة في قصص تبدو وكأنها قصة طويلة واحدة فهي البنت المنتظرة لخطيبها في (غنم غنم) والكاتبة أو الخبيرة التنموية في (فرسان المؤتمر) والزوجة المتبرمة من زوجها الجلف في (كيف تصبحين مثقفة في خمسة أيام) والموظفة الخائبة الحظ في (كش دبان) وهي الأم صاحبة الذكريات في قصتها (كان اسمه دفتر تيليفون).
ويعطي هذا التقارب السردي للمجموعة نوعاً من الروائية المتقطعة لحياة موازية تعيشها الكاتبة من خلال عوالم عديدة تنسجها عبر بطلات وأبطال قصصها خالصةً إلى ما يشبه شخصيات متناهية الدقة من حيث الولوج إلى العالم النفسي لهذه الشخصيات وعبر دفاع ضمني عن الشخصيات المكتوبة والمنتهية إلى مصائر مشتركة من الإذعان للواقع والامتثال لأحكامه الغيبية والعبثية في آن معاً.
وتتكئ عجيب في قصصها على لغة إخبارية بحتة مسميةً الأشياء بمسمياتها هاربةً من الترميز نحو مباشرة قصدية تضع فيها الواقع إزاء مجاهيله السياسية والاجتماعية معولةً على أسلوب المواجهة لمفردات هذا الواقع بأماكنه الحقيقية ودون اللجوء إلى تجميله أو إخفاء قباحاته المتعددة وذلك من خلال زج القارئ في كم هائل من تفاصيل أماكن العمل والوظيفة والمنزل والشارع مفصلة ذلك بمقاطع من خارج السرد التقليدي للحدث ووحدة اللقطة المأخوذة للحياة من زاوية المتألم المتأمل في آنٍ معاً.
ويتميز أسلوب صاحبة (ضفيرتي والإيديولوجيا) بسخرية لافتة من خلال مزج الأشياء والكائنات وإعادة صياغتها ضمن البيئة الموجودة فيها بعيداً عن اللجوء إلى الترميز بل بالاتكاء مجدداً على خشونة الواقع وتقريريته الحياتية في توزيع العيش على أوقات وجبات الطعام والنوم والموت منافسةً بذلك أسلوب الكتاب الطبيعيين في التعبير عن مفازات الإنسان المعاصر وفرحه العابر بالاستهلاك كنمط نهائي من أنماط الاحتفال بالحياة كما في قصتها (سبارتاكوس يقود السيارة) أو كما في إحالاتها الباهرة إلى قصص معينة التي نجدها في قصة (مدينة المعارض) والتي جاءت على النحو الآتي ( تعزية تقليدية.. كل شيء يبدأ صغيراً ويكبر..إلا المصيبة..عفواً أقصد الحلم يبدأ كبيراً ويصغر).
ويتصف أسلوب عجيب بوحدة الانطباع وتعدد الشخصيات وحواراتها البسيطة دون الإسراف في تعقيد حبكات المواجهة وبالاتجاه نحو حبكة الحل من خلال مناقشات داخلية غالباً لشخصية الراوي وذلك عبر العديد من المشاهد الموصوفة وكأنها تروى أو تلتقط من على كاميرا على ظهر ذبابة دون أن يؤدي ذلك إلى تشويش المتلقي أو ضياعه عن مضمون السرد المتدفق نحو نهاياته المكتوبة بلغة الحياة في طزاجتها وقشبها المزمنين.
يذكر أن الكاتبة هيفاء عجيب من مواليد دمشق 1973 حاصلة على إجازة في الإعلام من جامعة دمشق وحائزة على جائزة حنا مينا للقصة القصيرة عام 2003 ولها العديد من المقالات في الدوريات والصحف المحلية والعربية ومجموعة (كش دبان) تقع في 143 صفحة من القطع المتوسط.
سامر إسماعيل
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد