انقلاب اخونجي وشيك على الثقافة المصريّة
كأنّ كلمة «هويّة» صارت أشبه بكلمة السرّ التي يستخدمها «الإخوان المسلمون» لاقتحام الحياة الثقافية في مصر. مجموعة من الكتاب والأكاديميين ذوي التوجهات الإسلامية والسلفية تحلّقوا أخيراً في جماعة «هوية» الثقافية، التي تهدف إلى «إرساء القيم الإسلاميّة في الأدب، ووضع الأدباء من ذوي النزعة الدينية على خريطة المؤسسات الثقافية وعضوية لجانها». بدأ التيار الناشئ بالعمل على غزو المؤسسات الثقافية الرسميّة. وقد أثار اسمه جدلاً كبيراً، وخصوصاً أنّ مسألة الهويّة قضيّة معقّدة، تماماً كالزئبق «كلّما أمسكت به سمّمك»، بحسب تعبير الروائي يوسف رخا.
تأسّس التيار الجديد بمبادرة من أستاذ الأدب العربي في جامعة المنوفية خالد فهمي، ونائب رئيس إذاعة «القرآن الكريم» محمود خليل. والرجلان من أمانة التثقيف من «حزب الحرية والعدالة». فهمي رجل هادئ، متفاصح، يجيد التنظير، ويحفظ أسماء بعض النقّاد الأجانب للدلالة على سعة أفقه واطلاعه. اللافت أن مؤسسَي الجماعة يحرصان على التأكيد في أحاديثهما وندواتهما أنّ «الحريّة ليست مطلقة». وفي البيان التأسيسي للتيار، يكتبان أنّه ليس «حزباً ولا جماعةً سياسيةً، بل تيار يسري في جسد الوطن وروحه، وبين أهله وأبنائه، من جميع الأطياف السياسية والفكرية، والطوائف الاجتماعية، فيربطهم بالأرض تاريخاً، وحاضراً، وطبيعةً وملامح وحضارةً وثقافةً وطموحاً». كما تدعو جماعة «هويّة» إلى «قداسة واحترام الوحي والنبوّة، وما ينبني عليهما من نصوص وقيم، وتعزيز قيم الإبداع ودعم المبادرات الجماعية التي تعزّّز الذات القومية، انطلاقاً من روح الحضارة العربية الإسلامية وأسسها. هذه الأسس لا ينفصل فيها المسلم عن غير المسلم؛ تجمعنا قيم واحدة، صهرتنا في نضالنا المشترك عبر التاريخ، في أطر إقليمية قد تتعدد وتتنوع قيمها وأعراقها، لكنّها تبقى أطيافاً داخل الضوء الواحد، وخيوطاً في النسيج المشترك، هو إطار الوحدة الجامعة لهويتنا». يتجاهل البيان الإنشائي أنّ هويّة مصر هي نتاج ثقافات متعدّدة، منها الفرعونية، والرومانية، والعربيّة، انصهرت كلّها في بوتقة واحدة. كما أنّ الجماعة لا تجد حرجاً في إعلان قناعتها بضرورة فرض قيود على حرية الإبداع. وبرأيها، فإنّ الفصل في قضايا الأدب يجب أن يكون لـ«الخيار الشعبي» أو عبر ... «اللجوء إلى الأزهر»، كما دعا محمود خليل. ما لا يدركه خليل أنّ الأدب والإبداع لا يمكن أن يخضعا لأحكام المؤسسات الدينية، في دولة من المفترض أن تكون مدنيّة.
انطلقت فكرة جماعة «هويّة» الثقافية بعد الإعلان عن تشكيل لجان «المجلس الأعلى للثقافة»، وامتعاض الإخوان من استبعادهم. واعتبر الإسلاميون أنّ تجاهلهم في التشكيلات تأكيدٌ على أنّ «الاتجاه الثقافي يسير ضدّ اختيار الشعب»، بحسب تعبير خالد فهمي. فكّر الممتعضون في تكوين «مجلس موازٍ» للمجلس الأعلى للثقافة، يضمّ إسلاميين، لكن يبدو أنّ الاقتراح لم يرَ النور، بسبب عدم قدرة الجماعة على تكوين لجنة قصة تضم خمسة كتاب معروفين، أو حتى لجنة من خمسة شعراء يمكن اعتبارهم شعراء حقيقيين. وجد الإخوان الحلّ لهذه المعضلة في فرض أنفسهم على المؤسسات فرضاً، وتشكيل تيار «هوية» الذي بدأ نشاطه بلقاء مع وزير الثقافة شاكر عبد الحميد. هذا الأخير استمع إلى مقترحاتهم، ووعد بإعادة تشكيل لجان المجلس. ولم تكتف الجماعة بذلك، بل طالبت بتعديل لوائح «المجلس الأعلى للثقافة»، واعترضت على أن يقوم بهذا التعديل الأكاديميان حسام عيسى، ومحمد نور فرحات، على اعتبار أنّهما ينتميان إلى التيار الليبرالي واليساري. وطالبت بأن تقوم بالتعديلات المرجوّة شخصيات حدّدتها هي، ومنها المستشار طارق البشري، والمستشارة نهى الزيني، والأستاذ في أكاديمية الفنون أسامة أبو طالب، وخالد فهمي نفسه، إلى جانب الأستاذ في كلية التربية حسام عقل، والإعلامي محمد القدوسي، والأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية هبة رؤوف. وهذا ما يعني انفراد التيار الديني بتعديل اللوائح، أي أنّّ جماعة الإخوان ستمارس على الآخرين ما شكت منه هي في الأساس.
يردّ «الإخوان» أنّ الجماعة تضمّ بين أعضائها أسماءً ليبراليّة (لا يعرفهم أحد)، وأنّها لا تسعى إلى إقصاء أحد. قد تقول أيضاً إنّ «النص الأدبي عندما يتعارض مع النص الديني، فإنّ الشعب نفسه لن يقبل بمرور هذا النصّ». أو أنّ كل الاتهامات الموجّهة ضدّها هي محض «إسلاموفوبيا» من طرف المثقفين. لكنّ المؤكّد أنّ الجماعة التي تسعى إلى «التمكين» ــــ بحسب تعبير مؤسسها حسن البنا ــــ تسعى إلى السيطرة على المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربويّة قبل المؤسسات الأمنية والسياسية. فهل سيتمكّن «الإخوان المسلمون» من السيطرة على العقل المصري؟ هذه معركة المثقفين المصريين جميعاً.
محمد شعير
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد