مبدعون شباب
تحمل التجارب الشبابية التي ظهرت مؤخرا طزاجة حقيقية وصدقا بات في عداد المفقودات لدى السابقين المستمرين بحكم العادة لاغير.
ماظهر على الساحة من اسماء وتجارب في مختلف مجالات الأدب والفن وضع أصحاب الرؤية السائدة في حرج, فلطالما حاول هؤلاء بالحط من شأن كل جديد عبر الوصفة الجاهزة والتي لم تعد تقنع أحدا بأن أعمال الشباب الإبداعية تفتقد إلى النضج وتغلب عليها الحماسة والاستعجال.
فالواقع أثبت أن هذه المآخذ هي قيم بحد ذاتها وامتيازات لم تعط للمتشدقين, فما يقال عن الحماسة والاندفاع ليس سوى تحوير للاحتراق الحقيقي وهو يندفع عارما في التعبير عن ذاته بشكل غير معهود, وما يسمى بعدم النضج كتهمة تستوجب نفيا وهو في الواقع انفتاح على أساليب مختلفة بعيدة عما هو مألوف.
الشعراء الشباب الذين ظهروا في الفترة الأخيرة وإن لم ينالوا ما يستحقونه فإنهم في الصميم إضافة نوعية إلى تاريخ الشعر السوري, فهؤلاء يشتغلون على تأسيس مزاج كتابة شعرية لا يركن إلى ما رسخ وإنما يندفع إلى اقتناص تقنيات اخرى تشاكس المرجعيات الشعرية وتضيف لمسة جمالية اختراقية أسلوبا ونفسا وثيمات..
من ( نهايات) لطارق عبد الواحد الخارجة من مناخ رعوي, إلى ( عين رطبة) قصائد محمد رشو, ذات المنظور المعاند لمشهد الحياة عبر صياغته بصريا إلى ( نادي الظلمات) لجولان حاجي , و( الغروب الكبير) لعلي جازو, حيث يصعد التأمل إلى مستوى شفاف كاد يفقده الشعر مرورا ب( أولاد الجيران) مشاكسات فايز حمدان, لضجيج المدينة , بضجيج القصيدة وسواها من المجموعات الشعرية الجادة, نرى أن المجهود النظري الذي ظل طاحونة هواء طوال عقود وجد من يستوعبه ويحوله إلى نصوص حية.
من جهة أخرى استطاع التشكيليون الشباب تكوين خصوصية فنية فرفضت وإن في مساحة صغيرة قيما جمالية لم تكن موجودة من قبل.
من منحوتات محمد عمران إلى قطط عمران يونس واشجار تمام عزام , وأحافير ياسر صافي, وسواهم ثمة ما يعيد للعمل الفني الوفاء الذي يستحقه بعد أن مسخه السوق إلى أثاث لا أكثر.
السينمائيون الشباب الذين قدموا سينما بعيدة عن الأجواء التي كرستها سينما القطاع العام فتحوا ثغرة في الذات لتسلل عدسة الكاميرا إلى الداخل لتكون الصورة بدون ادعاء, ولعل الخطوة التي قامت بها مجلة ( الوردة) منذ فترة تحت عنوان ( تظاهرة الأفلام المستقلة) خطوة تستحق أن تحتذى حتى تتفاعل المواهب مع بعضها وتغتني..
طوال التاريخ والشباب هم أصحاب الثورات الثقافية الكبرى في كل الصعد وكانوا دينامو البحث عن مناطق نائية وقصية لاكتشاف طرق تعبير مختلفة, ولعلنا لن ننصف انفسنا مالم ننصف هذه التجارب التي تنمو في ( مناطق الظل) على العكس من البهرجة الكاذبة التي يفتعلها المتخشبون.
رائد وحش
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد