صحـافـيـو تـونـس فـي قبـضـة التهـديـد
لم تقتصر حالة الارتباك التي تعيشها تونس منذ اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد، على الساحة السياسية، بل تجاوزتها لتلقي بظلالها على المشهد الإعلامي. وبرزت أسماء صحافيين وإعلاميين كثر، في دوامة التهديدات، والتصفيات الجسديّة.
أمام الخطر المحدق بالساحة الإعلامية التونسية، تعالت الأصوات المدافعة عن حرية التعبير، والمحذرة من تزايد التهديدات بالقتل ضدّ الصحافيين التونسيين. ومن بين تلك الأصوات، الشبكة العالميّة المدافعة عن حرية التعبير «إيفكس»، التي أصدرت الأسبوع الماضي تقريراً، لحظت فيه تصاعد الهجمات ضدّ حرية التعبير في تونس. ووجهت الشبكة رسالة مفتوحة إلى الحكومة التونسيّة، دعتها فيها إلى «ضمان سلامة الصحافيين والكتاب والعاملين في مجال الإعلام الذين يكتبون عن الأزمة الحالية، وتنفيذ التشريعات المتاحة لهم التي توفر حماية أفضل لحرية التعبير».
ويتعرّض رموز الصحافة والإعلام التونسي إلى ضغوطات تبدو منظمة، منذ السادس من شباط الماضي، تاريخ اغتيال بلعيد. ويبدو أنّها محاولة جديدة لتدجين الإعلام الذي لم يخضع لمشيئة السلطة الحاكمة. فقد انتشرت على صفحات «فايسبوك»، حملة شرسة، تدعو إلى قتل وتصفية الصحافيين والكتاب والعاملين في وسائل إعلام تونسي. وأكّد الإعلامي معز بن غريبة، قبل أيام، أنّ مسلحاً دخل إلى المقهى المجاور لمكتبه، وسأل عنه، ثمّ سارع إلى الفرار ومغادرة المكان، في انتظار التحقيقات الأمنية للتثبت من هوية المسلّح.
وأكّدت وحدة الرصد التابعة لـ«مركز تونس لحريّة الصحافة» في بيان أًصدرته قبل أيام، أنّ الصحافيين التونسيين تعرّضوا لـ31 عملية اعتداء، تضرّر منها 52 بين إعلاميين وتقنيين. كما ذكر البيان أن من بين الإعلاميين المستهدفين حمزة البلّومي الذي يعمل في إذاعة «شمس أف أم» وقناة «نسمة» الخاصّتين، الذي تلقى رسالة مكتوبة بخطّ اليد، تضمّنت تهديداً بالقتل. وعبّر مركز تونس لحريّة الصحافة الذي يرأسه الصحافي محمود الذوادي عن تضامنه مع البلّومي، داعياً وزارة الداخليّة إلى «حمايته وبقيّة الأسماء الواردة في الرسالة، ممن وردت أسماؤهم على قوائم للتّصفية الجسديّة، على غرار سفيان بن حميدة، وسفيان بن فرحات، ونوفل الورتاني، ونزيهة رجيبة، وتوفيق بن بريك، والمدونة ألفة الرياحي».
وتتهم شريحة واسعة من التونسيين، روابط حماية الثورة، التي يحكى عن علاقة وثيقة تربطها بحزب «النهضة» الإسلامي، خصوصاً أنّ نقيب الصحافيين التونسيين السابق ناجي البغوري، تلقّى يوم 14 شباط الماضي، تهديداً بالقتل في الشارع من عضو في راوبط حماية الثورة، ووصلته تهديدات أخرى بالقتل عبر البريد الإلكتروني والهاتف المحمول.
بدورها تلقت نقيبة الصحافيين نجيبة الحمروني رسائل تهديد متواصلة بالقتل من مجهولين، يتهمونها بتشويه «سمعة حزب حركة «النهضة» وإهانة الإسلام».
لم تقتصر التهديدات على الصحافيين والإعلاميين، بل تجاوزتها إلى تهديد وسائل الإعلام، إذ تلقّت إذاعة «موزاييك أف أم» التونسية الخاصة تهديدات، وتقدّمت بطلب إلى وزارة الداخلية من أجل توفير الحماية. كما أعلنت قناة «الحوار التونسي» على صفحتها الرسمية على «فايسبوك» أنّ كاميرا المراقبة الخارجية انتزعت من أمام بابها الرئيسي، منتقدةً تأخرّ وزارة الداخليّة عن حماية مقرّها.
ومنذ استلام حركة «النهضة» الإسلامية الحكم في تونس، برزت أصوات من مناصريها تتهم الإعلام التونسي «بالتقصير، وعدم الحياد، والعمل وفق أجندة خارجية». ووصل الأمر حدّ تكفير الصحافيين المعارضين. وتنتشر على جدران تونس العاصمة، شعارات على غرار «الصحافيون كذابون»، «الصحافيون منافقون».
تعتبر حرية الإعلام الإنجاز الأكبر للثورة التونسية التي أطاحت زين العابدين بن علي. ويؤكّد مراقيون أنّ محاولات تكبيل الإعلام تجدّدت بعد الثورة، ولكن بأسلوب جديد، تسعى من خلاله بعض الأطراف إلى إرهاب الصحافيين وإجبارهم على تغيير مواقفهم. وبالرغم من تراجع هامش حرية الصحافة بأربع درجات بحسب تقرير «مراسلون بلا حدود» الأخير، إلا أنّ إصرار الصحافيين التونسيين على مواصلة عملهم كبير.
نسرين حامدي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد