«توتّر عالي» يختصر اللحظة السورية
يسعى شريط «توتر عالي» للمخرج المهند كلثوم عن سيناريو كتبه سامر محمد إسماعيل (إنتاج المؤسسة العامة للسينما) إلى ملامسة اللحظة السورية الراهنة بمفتاح سردي مختلف من خلال استدعاء ركام المسلسلات الشامية إلى غرفة عاشقين.
فني إضاءة (علي صطّوف) وطالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية (مي مرهج)، يحاولان السخرية من شخصيات هذه المسلسلات من خلال تقليدها والتماهي مع مناخاتها العجائبية. الغرفة التي تقع في أحد الأحياء العشوائية معزولة عمّا يجري خارجها، عدا علاقة الشاب بصاحب دكان مخمور على الدوام (أديب قدورة)، يراقب العلاقة المرتبكة بين العاشقين ويباركها في حواراته مع الشاب، كأنه يستعيد شبابه الآفل. ونفهم منه أيضاً أنه كان واحداً من المحاربين القدماء، وها هو يكتفي بموّال عتابا من العاشق ثمناً لزجاجة نبيذ في كلّ مرّة يأتي بها إلى الحارة لملاقاة حبيبته.
تجري أحداث الشريط (30 دقيقة) في ليلة ماطرة. وكما العادة، يبدأ العاشقان بروفاتهما في تجسيد مشاهد يقترحها الشاب على حبيبته، مستعيراً كرسي المخرج.
هكذا تحضر النسخة الهزلية من «باب الحارة» بوصفها نموذجاً لصورة المرأة المغيّبة، والرجل الفحل لفظياً، ذلك أنّ الشاب يفقد توازنه في ذروة أحد المشاهد فيخرج عن النص محاولاً اغتصاب الفتاة فتطرده من الغرفة، وتوقف اللعبة التي ذهبت إلى أبعد مما توقّعت.
كأن حبيبها لم يخرج من جلد تلك الشخصيات المتوهمة، أو أنّ الزمن الحقيقي توقّف هناك. يخرج العاشق منكسراً إلى الشارع، ويتجه إلى دكان الجار، ليروي له ما حدث، فيطمئنه إلى أنّ الحب أعمق من رغبة عابرة.
في هذه الأثناء، ينقطع التيار الكهربائي، وتعمّ العتمة الحارة. يستعير الشاب مصباحاً من صاحب الدكان ويعود إلى غرفة الفتاة معتذراً عن سلوكه الأحمق، ثم يقرّر الصعود إلى عمود الكهرباء لإيصال التيار. وخلال عبثه بالأسلاك، يُصعق في أعلى العمود، ويبقى معلّقاً هناك. تنزل الفتاة التي كانت تراقبه من النافذة، جرياً إلى الشارع، وتؤدي مشهداً طويلاً ومؤثراً، من أحد المسلسلات الشامية، استكمالاً للعبة، فهي لم تستوعب بعد أنّ حبيبها قد مات حقاً. الشريط الجديد محاولة لافتة في مقاربة اللحظة السورية المتفجّرة، من طريق فحص الهامش، ووجع الحب في العشوائيات، والمسافة الهائلة بين ما تقترحه المسلسلات الشامية من عنتريات، وإعادة إنتاج للتخلّف، وما يجري من خراب في الواقع، من دون الخوض في مجريات الأحداث مباشرة، إذ يكتفي السيناريو بالإشارة إلى اندلاع شرارة الحريق، وتالياً استدعاء مسبباته المضمرة. الشريط الذي شاهدناه في عرضٍ خاص استضافته صالة «الكندي» قبل أيام في دمشق، لا يخلو من هفوات في المونتاج، وحتى في طريقة السرد؛ إذ يفتقد العمل في بعض مقترحاته البصرية ــــــ رغم جمالياتها ــــــ إلى المتانة في ربط علاقة الشخصيات الثلاث بعضها ببعض، وخصوصاً علاقة صاحب الدكّان بالعاشقين، وارتباك مشهد النهاية. كان هذا المشهد يحتاج إلى ذروة أكبر في رصد رد فعل صاحب الدكان الذي لم يتحرّك من مكانه، لحظة موت العاشق.
لقد اكتفى فقط برفع كأس العرق في وداع صديقه، وهو ما يشير إلى حلول إخراجية لا تتواءم مع مقترحات السيناريو الأصلي سواء لجهة اختيار مواقع التصوير، أو لجهة الإيقاع. فقد اختار المخرج حيّ المهاجرين في دمشق مكاناً للتصوير، بدلاً من أحد الأحياء العشوائية التي تبرز حال البؤس المعماري على نحو أوضح، في مقابل حميمية العلاقات التي تؤطر متاهات الأزقة وصعوبة العيش، ومحاولة ابتكار الأمل. الظهور الخاطف للممثل المخضرم أديب قدورة، أعادنا إلى الزمن الذهبي للسينما السورية في فترة السبعينيات، لكنّ حضوره في هذا الشريط لم يكن مكتملاً، وكان على صنّاع الفيلم إبراز قدرته على نحو أفضل.
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد