«تغطية»: حكاية مخيّم اليرموك بعدسة أبنائه
اختارت مجموعة من الفنانين الشباب تعبير «تغطية» اسماً لفيلم قصير ينجزونه عن نيران الأزمة السورية التي طال لهيبها مخيم اليرموك، فشرد الجزء الكبير من أهله، ووقع الجزء الباقي منهم تحت لهيب الصراع بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة. وفي اختيار الاسم «تغطية» ذكاء فني، يحمل معنىً مباشراً، لمصطلح يتداوله السوريون، كناية عن شمول بإشارات أبراج الاتصالات الخلوية، كما يحمل الاسم معنى مجازياً أيضاً عن تناقض المعلومات الصارخة الواردة عن أحداث الأزمة السورية بين وسيلة إعلام وأخرى، على نحو يشعر المرء أن كلاً منهما يمارس نوعاً ما من التغطية على معلومة ما.
يبدأ فيلم «تغطية» قصته مع شاب (الممثل حسان حسان) يصحو على عجل، ليخرج راكضاً عبر شوارع مخيم اليرموك، حتى يصل جامع الوسيم «منتصف المخيم»، ليتلقط أنفاسه أمامه، يتناول هاتفه المحمول، يتأكد أنه التقط إشارة بث أبراج الاتصالات. وإلى جانبه يمر آخرون يبحثون عن الإشارة ذاتها، كما لو أنه لا إشارات هاتفية في المخيم إلا أمام هذا الجامع بالذات، وفي ذلك دلالة رمزية أولى يمررها الفيلم عن طبيعة دور الجامع.
يجري حسان مكالمة هاتفية مع أحد أصدقائه النازحين عن المخيم، ليتأكد هذا الأخير إن كان بإمكانه أن يعود. يطمئنه: «نعم عد... لا يوجد شيء، سوى قذائف وقناصين واشتباكات... أما المفخخات فلم تعد موجودة». وهنا تكمن دلالة رمزية ثانية، عن حالة التعايش اللاطبيعي الذي اعتاد عليه السوريين في بلادهم مع النار والبارود. أما الدلالة الرمزية الأهم، والتي تكشف عن وعي صناع الفيلم، فترد على لسان بطل الفيلم حسان، حين يسأل صاحبه عن طول شعر لحيته، ويطلب منه أن يجعلها قصيرة لحين يمر من أمام حواجز الجيش السوري النظامي، وينتظر بعدها حتى يطول شعر لحيته ليواصل بعدها رحلته إلى قلب المخيم حيث مسلحو المعارضة؟ ثمة من يقطع مكالمة الصديقين ليسأل عن شارع ما إن كان يقع تحت تغطية أي من القناصين، وهذا سؤال بات معتاداً اليوم في يوميات المخيم.
يكشف «تغطية» (تأليف جماعي) رغم مدّته القصيرة (دقيقتان وأربع ثوانٍ)، عن صعوبات الحياة المعيشية في ظل الأزمة، ومنها انقطاع الكهرباء المتواصل. فيما يمرر الفيلم حال أهل المخيم اليوم، فالرفاق كلهم بصحة جيدة، لكن كل واحد منهم صار بمكان داخل البلاد وخارجها، ومنهم من استشهد أيضاً.
على هذا النحو يروي الفيلم «تغطية» بذكاء حكايته. على الرغم من أن تنفيذ الفيلم جاء تحت نيران الاشتباكات والصراع، وأنّ أبطاله عاشوا في لحظة التصوير كل ما يرونه في الفيلم، إلا أنهم اختاروا أن ينحازوا إلى الفن، بوصفه حالة جمالية تثير أسئلة الفكر. فإذا كان الحوار ينطوي على مباشرة واضحة في رواية الأحداث، فإنّ قليلاً من التمعن فيه، يكشف عن حوار ثانٍ وأعمق يدور ما بين السطور. ولا نبالغ أبالغ إن الفيلم درس لبعض صناع الدراما، عن كيفية إنجاز دراما عن حدث ساخن من داخله.
مخرج الفيلم حسن الطنجي، قال إنّ «فكرة الفيلم جاءت من انقطاع التغطية في جميع أنحاء المخيم ووجودها في مكان واحد هو ساحة الوسيم، واللافت هو تجمع الناس هناك وحديثهم مع من خرج من أقاربهم وأصدقائهم وتكرار جمل «ما في شي شوية قذائف كم قناص» في وصف ما يحدث في المخيم». ولا ينكر المخرج أنها «كانت مغامرة أن نقرر التصوير في شوارع لا يضمن هدوءها أحد، ولا يضمن أمنها أحد، ولكننا تشجعنا وصورنا. وكنا نشرح ملخص السيناريو لكل مجموعة تمر وتشاهدنا من المسلحين، فمنهم من اهتم ومنهم من لم يهتم». ويضيف: «الفيلم رد فعلنا أنا وحسان حسان على ما نعيشه ويعيشه المخيم وأبناؤه. وهو ينطق بحال الجميع في سوريا وإن جاء بخصوصية تتعلق بمخيم اليرموك». وعن سبب اختيار الجامع كمكان لالتقاط الإشارة الهاتفية، يقول المخرج الشاب: «هذا هو الواقع، فهذا المكان هو الوحيد الذي فيه تغطية بالمخيم». ثم يضيف ضاحكاً: «الحقيقة أن هناك تغطية أمام جامع آخر لكنه بعيد عنّا».
الفيلم من إنتاج «رد فعل» وهو تجمع فني أسسه فنانون شباب في مخيم اليرموك، وعن التكلفة الإنتاجية للفيلم، قال المخرج الشاب: اقتصرت فقط على معداتنا البسيطة الكاميرا و جهاز المونتاج.
رابط الفيلم على «يوتيوب»: https://www.youtube.com/watch?v=_cgGRSJphXY
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد