«قواعد العشق الأربعون» لإليف شافاق.. أو نسيان الذات
تتواتر ترجمات الكاتبة التركية إليف شافاق إلى العربية، حيث أصبحنا نجد لها أكثر من رواية بلغتنا. خطوة جيدة للتعريف بواحدة من أكثر الكاتبات التركيات حضورا على ساحة الرواية، على الرغم من أنها اختارت الكتابة بالانكليزية. لكن ومع اختلاف اللغة، إلا ان الأجواء تأخذنا عميقا إلى العوالم التركية، القديمة والحديثة، لنقوم معها برحلة متعددة الاتجاهات، في الثقافة والمكان والتاريخ.
آخر الترجمات الصادرة حديثا رواية «قواعد العشق الأربعون» (ترجمة خالد الجبيلي، منشورات «طوى»)، وبدون شك تأتي جملة العنوان الثانية لتزيد من انتباهنا («رواية عن جلال الدين الرومي»)، إذاً ثمة ما يشير من البداية إلى مناخ آخر غير ذاك الذي اكتشفناه مع «لقيطة اسطنبول»، حيث دخلنا معها في رحلة إلى تركيا المعاصرة، سياساتها.
كانت إيلا روبنشتاين في «منتصف العمر» (أميركية تبلغ الأربعين)، وهي سيدة منزل مثالية، بيد أنها ذات يوم قررت أن تبدل قواعد سيدة المنزل الأربعين التي وضعتها نصب عينيها، والتي كانت تشكل حماية لها، بقواعد العشق الأربعين التي وضعها في الماضي شمس الدين التبريزي في القرن الثالث عشر. اكتشفت هذا الصوفي خلال قراءتها مخطوط رواية عزيز زاهارا «الكفر الحلو»، إذ كان عليها أن تكتب تقريرا حولها من أجل دار النشر التي قدمت لها عملا بمثابة «قارئة» للمخطوطات التي تصلها. وعبر قراءة إيلا للرواية، يكتشف القارئ بدوره هذه الرواية.
خمسة أقسام كبيرة تتوزعها رواية شافاق، حيث يمتزج فيها صوت إيلا برسائل عزيز (الكاتب الصوفي) الالكترونية التي كانا يتبادلانها، ومعهما نكتشف أيضا صوت شمس الدين التبريزي خلال سفره وتجواله الكبير الذي قام به في حياته، كما لقاءاته المتعددة، ومنها لقاؤه الكبير «والحاسم» و«السامي» مع صديقه المحبوب جلال الدين الرومي، الذي كان يعد الأستاذ المحترم. لكن ما كان ينقص الرومي هو قدرته على الوصول إلى الدرجة «الخمسين من الفراغ»، أي ضمن دائرة هذه الرقصة الصوفية التي توصل إلى أعلى درجات الانخطاف. من هنا تلعب صداقته مع الرومي هذا الدور الذي يسمح له بالوصول إلى أعلى درجات الحب، إلى نسيان الذات بالكامل وإلى تقبل الخسارة والفقدان. كان شمس التبريزي، هو المحرض إذاً، إذ اعتاد أن يطير مع العصافير، بحرية. لقد استطاع أن يحطم هذه السدود التي تحمي كي يفتح درب الحب. وعبر قراءتها لهذا المخطوط، تبدأ إيلا بدورها في التحول التدريجي لتؤثر بذلك في محيطها وعائلتها.
كتاب مليء بالجمال، بالغنى الكبير الذي يسمح لنا بالاقتراب من عوالم الصوفية، وبخاصة من ناحية العشق الذي يغير كل شيء، حتى هذه الأميركية التي سمرت نفسها لسنوات داخل مبادئها، التي يمكن أن تبدو مبادئ مصطنعة في البداية. من هنا يروي الكتاب هذا السحر الذي لا يقاوم عن «لقاءين»، أو لنقل عن مسارين تعليميين غير مألوفين.
بالتأكيد ثمة دور كبير لموهبة شافاق غير العادية، إذ تعرف كيف تروي هذه الحكاية، عبر ملاحقتها لآثار الصوفية، عبر رواية عزيز الذي يتحدث عن لقاء «أسطوري» جرى ما بين جلال الدين الرومي وشمس التبريزي. لقاء شخصيتين «شمسيتين» أفضى في النهاية إلى صداقة أقوى من كل شيء، وبخاصة أقوى من أي تطرف ديني. هل هنا تكمن «رسالة» الكاتبة التركية في هذا الحيز الرافض للتطرف الإسلامي، انطلاقا من الإسلام نفسه؟
هي إحدى القراءات المحتملة لرواية «قواعد العشق الأربعون»، هي أيضا رواية التحول عبر الصوفية التي تشكل بحثا روحانيا للوصول إل الاستسلام الكامل لمحبة الله عبر رقصات الدراويش. في أي حال، أكان القارئ مع هذا الجانب الروحاني أم لا، من الصعب أن يخرج «سليما» بعد قراءته هذه الرواية.
إسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد