«لوليتا» وأدب الفضيحة
"لوليتا، ومض حياتي، شعلة خاصرتي. إثمي. روحي"، جملة يتيمة تفتح مصراعي رواية فلاديمير نابوكوف وتختزلها. عند صدور الكتاب عام 1955 تدافعت كاميرات التلفزة في لندن أمام منزل نابوكوف مترقبةً، عبثاً، لحظة اعتقاله بتهمة الاساءة الى الحياء الوطني. اليوم، وبعدما احتفت "لوليتا" ببلوغ عامها الثاني بعد الخمسين، وتخطت عتبة خمسين مليون نسخة "الرمزية" ونقلت الى أكثر من عشر لغات، بات الجميع يتوسل بأدب نابوكوف. امتلك الانكليز نابوكوف ناقد الامتثال الاجتماعي، واعترف الفرنسيون بقدرته على تخطي الواقعية، في حين امتدح الاميركيون قلماً مهّد لنثر ريادي. تسببت "لوليتا" لدى صدورها بزوبعة عارمة، وتلقفت الأوساط المحافظة بانزعاج شديد قصة رجل في السابعة والثلاثين يقاد الى الجريمة بسبب تعلقه الجنسي بمراهقة. وكان الانزعاج ظاهرة أوروبية بقدر ما كانت أميركية. رحلة الرواية الى النشر اعترضتها أيضا المعوقات. نبذت خمس من دور النشر الأميركية المخطوطة الانكليزية فاضطر نابوكوف الى اللجوء الى "اولمبيا بريس"، ناشر بيكيت وجينه. وعلى الرغم من نفاد نسخ "لوليتا" الخمسة آلاف الأولى، لم تلفت الانتباه إلاّ بعدما صنّفها الكاتب غراهام غرين من بين أفضل إصدارات العام. إلقاء الضوء على "لوليتا"، ناهيك بطابعها الايروتيكي، سيدفعان وزارة الداخلية البريطانية الى مصادرة نسخها الوافدة الى المملكة المتحدة، وسيتبع ذلك منع "لوليتا" في فرنسا عام 1956. ستصل بعدذاك عدوى الاقصاء الى الولايات المتحدة الاميركية، لكن موقتا لأنها لن تستمر أكثر من سنتين. أميركا، البلاد المفتونة بالمراهقين منذ مارك تواين، تعرفت الى "لوليتا" في عصر الطفولة الذهبي، يوم كان الولد الملك بلا منازع. تعرفت الى فتاة في الثانية عشرة، منحرفة وساذجة تحمل إسما موسيقيا، والى رجل منحه نابوكوف اسم هامبرت هامبير المزدوج التركيب مثل مساره الروائي. وبعد أن يهيم هامبرت هامبير من فندق الى آخر برفقة فريسته لوليتا، سيكرر تجواله مجددا ولكن هذه المرة بحثا عن شبح الفتاة. "لوليتا" رواية لإيقاظ الاحاسيس بامتياز، هي قصة جسورة ودراسة لحالة مرضية، وهي أيضا محاكاة ساخرة للولايات المتحدة الأميركية، معقل الثنائيات المذهلة.
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد