«مجرد تعب» مسرحية من طابقين
استطاعت «صبا مبارك» أن ترتجل خشبة لعرضها المسرحي «مجرد تعب» فبعد ان كتبت النص قامت بإخراجه للمكان أو عبره وبالفعل كان معهد «تياترو» المسرحي كبيت دمشقي سري خارج توقعات جمهور الصالات الأخرى.
فمن سيخطر له ان خلف قصر العدل وفي الساعة التاسعة والنصف مساء سيقوم كل من «ناندا محمد» و «جمال شقير» بالصعود من والى القناطر العالية في ذلك البيت.
لكن هذا لا يكفي فمن المفترض ان يكون ارتجال الخشبة أو الاختيار الذكي لأماكن العروض مفتاحاً سحرياً للتعويض عن فضاءات أخرى أكثر احتمالاً لأن الرجل والمرأة كان بإمكانهما التخلي عن كل الصيغ القديمة والتحلي بالدهشة في كل سكنة أو وقوف أو ربما الابقاء على تلك الجمل الطويلة من الأنفاس المتعاقبة والمتحرقة للوصالات الخشنة والمريرة.
المخرجة لم تستغل المكان إلا ضمن تلك الاسقاطات الضوئية الآخاذة وهذا كان في صالح الضوء الذي اختنق مراراً ولا يزال على خشبتي الحمراء والقباني حيث يتم ضغط الحزمات الضوئية من سقف واطئ لا يستطيع فيه النور ان ينسال مرتاحاً على وجوه الممثلين أو ان ينسكب بلطف على أجسادهم بل يستطيع هذا الضوء ان يكون عبئاً حرارياً ضاغطاً على أعصاب الممثل وانفعالاته خاصة في عروض الموسم المتأخرة.
ما عدا ذلك فالضوء في مسارحنا القديمة للتدفئة في مواسم المسرح الشتائية فبدا الضوء تماماً في «تعب» وكأنه ينهمر من السماء المكشوفة لصحن البيت دون أن «يسخن» الأداء أو يحوله الى مصدر حراري آخر أما الممثل في المكان ورغم الزيارات المتكررة لـ ناندا وجمال الى الطابق الأعلى من المسرحية فإن هذا لم يكن كافياً فثمة مساحات كانت ممكنة أيضاً ومتاحة، وبالتالي المكان الذي وفر مسافة مثالية لسقوط الضوء وسباحته الحرة على الأجسام كان بإمكانه أن يقدم رحابة أخرى للممثل ويبدو ان المراكمة اللاواعية لأماكن الأداء الكلاسيكية بقيت مسيطرة على الميزانسين المزمع فماذا لوصعد الممثلان إلى سطح البيت أو استفادا من المساحة التي شغلتها «البارتيكابلات» المعدة كمقاعد للجمهور؟ ماذا لو غيرنا زاوية نظر الجمهور لما يحدث بصعوده الى غرف المعيشة لكن البيت المسرح ظل اقتباساً ماهراً وأقل دهشة من المسرح المتوازي الأضلاع أمام الناظرين القدامى وباستطالات تقليدية الى الممثل المنظور ومن السهل ملاحظة تلك القصدية في استخدام القناطر لتفصيلات الرؤيا دون علة متلازمة ومتناوبة مع الصراع مهما كان نوعه وانما مجرد رغبة مجانية في إشغال الفضاء العبقري للمكان وبعدها العودة مجدداً لامتطاء الخزانة المقلوبة على ملابس الزوجين، أما هذه الخزانة فلم توظف أيضاً لمدلولاتها بل بقيت في سيمائها العادية إلا في استخدامها كسرير مثلاً فظلت محض خزانة مقلوبة ولم تتحول الى حقيبة أو غسالة أو ربما الى.. «خزانة» ووفقاً للتصور الوحيد ظلت الفوضى الحسية وا لشعورية دلالة يتيمة لأحشاء الخزانة المتدافعة الى خارجها دون أمل من محاولة ترتيبها أو التخلص منها.
الجميل ان يبقى كل من ناندا وجمال صورة ضوئية مؤسلبة لصالح الفعل النوعي للشخصية في المجال ولذلك تراكمت الصرخات الصامتة والمبحوحة للمرأة المستحمة لتوها بالرجل المتعب الخائب الرجاء وما سيسجل عالياً لـ «صبا مبارك» المتواطئة وشخصياتها، الرسم أصلاً بالأنفاس المضطرمة المضطربة أوا لمتحركة عكس دورتها الدموية فلا نهارات طالعة لما كتبت «صبا» اخراجياً وانما ليل طويل لانتحاءات «تفتح البراعم» وصخب جواني يفتر ويتصاعد على إيقاع ضربات القلوب المحطمة فالمرأة عندما ستكون في الشهيق الأكثر تحرقاً ولوعة سيكون الرجل في الزفير الأشد تبرماً وخيبة محاصراً بكتبه أو شغفه بنساء أخريات، أما الزوجة الواقفة أمام مرآتها مشعورة وساهمة ستجهد في إعادة ترتيب الأنفاس وحتى عندما تنجح في جعل الشهيق مع الشهيق ستنتهي الحكاية الى نكوص غامض أو نوم طويل ومتهالك للرغبة لذلك سيكون من الصعوبة بمكان التحكم بدقات القلب الغافلة أو التنبؤ بما يمكن ان يحدث لناندا وجمال الجاهدين في مواصلة العادة والحياة والتعب دون ترك مساحة كافية للهجر أو التماس الأعذار وما يمكن قوله أن المخرجة وعن قصد جعلت منهما أمثولة لعاطفة تجتاحها اللاجدوى من فعل أي شيء بعد الاستهلاك المزمن للجسد دون محاولة تجويعه أو محاولات لكشف العطب والبوح بضرورة تمرينه مرة أخرى على الحياة أو.. الموت حباً..
سامر محمد اسماعيل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد