«0.5 ملغ نيكوتين».. رحلةٌ إنسانيّة في عالمٍ غريق
بمناسبة فوز فيلم «0.5 ملغ نيكوتين» في مهرجان باري السينمائيّ لأفلام دول البحر الأبيض المتوسط، بجائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل أزياء، وأخرى لأفضل ديكور، دعت شركة الشرق للإنتاج والتوزيع الفنّي إلى حضور عرض خاص للفيلم في صالة سينما الشام، وذلك في 22 تشرين الثاني 2009.
في تناغمٍ شعريّ هائلٍ بين الصورة والحدث، ينساب فيلم «0.5 ملغ نيكوتين» في عالم محفوفٍ بالصراعات والتناقضات الإنسانيّة والفكريّة، ورغم أنّ الأحداث في الفيلم تنحصر في شريحةٍ معيّنة من الأشخاص، إلا أنّها في المجمل تلامس أيّة طبقةٍ؛ اجتماعية كانت أم فكريّة.
ورغم الإمكانات الإنتاجيّة المتواضعة، إلا أنّ النتيجة النهائيّة للعمل كانت على قدرٍ جيدٍ من الحرفية، حيث تمكَّن المخرج «محمد عبد العزيز» من تشكيل مشهده بقدرةٍ إبداعيةٍ كبيرة تنسجم فيها العناصر وتتكامل، ليبدو أنّ ما تُطلق عليه تسميّة «أفلام المهرجانات» والتي يُقصد بها الأفلام العصيّة على الفهم من خلال المشهديّة المعقدة، قابلة للتطبيق بنعومة وطريقةٍ مفهومة وبسيطة، دون الابتعاد عن كماليّتها والإغراق في رمزيّتها، وهذا ما يُؤكِّده بوضوح المخرج في فيلم «0.5 ملغ نيكوتين».
النصّ ينقلك في عوالم مختلفة لأشخاصٍ لا تربطهم بدايةً أيّة علاقات واضحة، سوى أنّهم يصارعون على الحياة في زمن مأزوم، فمن الأطفال الذين يعملون باعةً متجولين، إلى مومسٍ متقاعدة، إلى سجين يحاول الانتحار مراراً وتكراراً بعد الإفراج عنه، فالفنان الذي يبحث عن حبّ حقيقيّ في ضوء الشمس، إلى الشيخ الضرير الذي تعيش ابنته المنقبة علاقة حبٍّ أفلاطونيّة مع الفنان التشكيليّ.. كلّ هذه الشخصيات مع بداية الفيلم تكون هائمةً في سديميّة الواقع، لتتضح الأحداث والعلاقات تدريجيّاً وتأخذ بالتعقيد، إلى أن يفرز الفيلم خلاصته في انتقالٍ وتراكم مريحٍ للأحداث والحالات.
إلّا أنّ ما يؤخذ على النصّ هو الحوار الذي كان متكلّفاً غالباً، ومغرقاً في الرمزيّة في بعض المواضع، وكان حريّاً أن تكون الحوارات مبسّطة ليكون الدور الأكبر للصورة في حمل الرموز وما هو مخبَّأ بين السطور.
ويبقى الأداء المميّز للممثلين، حيث يتمكَّن العملاق «خالد تاجا» من إعطاء شخصيّة السجين حقّها في البعدين التمثيليّ والنفسيّ، فعلى الرغم من قلّة ما تنطق به الشخصيّة، إلا أنّ «تاجا» بقدرته التعبيريّة الهائلة كان قادراً على بثّ شجون هذه الشخصيّة وصراعها الداخليّ بعيداً عن المبالغة... وتجاريه في ذلك «ميّ سكاف» في أدائها المتميّز لشخصيّة مومس متقاعدة ذات نظرةٍ سوداويّة للحياة، نكتشف أنّها طوال الوقت كانت تعيش في قوقعة أو غمامةٍ لا تتصل مع الواقع إلا ما ندر.
كذلك الأمر بالنسبة إلى «عبد الفتاح مزيّن» مؤديّاً دور الشيخ الضرير، إلّا أنّ ما أضعف الشخصيّة الحوار المعقّد لدرجة تتجاوز البعد الفلسفيّ للشخصيّة.
ويبقى الأداء بالنسبة إلىباقي الممثلين في مستوىً مقبول، دون أن يرقى إلى مستوىً عميقٍ، من كلّ أسف، باستثناء الطفلين «زين حمدان» و« سهاد الساري»، حيث تمكَّنا مقارنةً بعمريهما من تقديم أداءٍ عالي المستوى ومفاجئ إلى حدٍّ ما.
وبنظرةٍ إجماليّة إلى العمل، يحمل «0.5 ملغ نيكوتين» إشاراتٍ إيجابيّة إلى ما قد يتمّ تقديمه في المستقبل، ونتمنَّى لو يتمكَّن العمل من إيجاد طريقه إلى دور السينما في عروض جماهيريّة ولا ينحصر عرضه في عروضٍ خاصة، فهو جديرٌ بالمشاهدة. ونأمل كما يأمل المنتج «نبيل طعمة» ويطمح الكثير من السينمائيين السوريين، أن تكون هذه خطوة جديدة، وبادرة الاتجاه إلى قطاع إنتاجٍ سينمائيّ خاص، يرتقي إلى المستوى الذي حقّقه إنتاج القطاع الخاص في الدراما التلفزيونيّة السوريّة.
يزن أتاسي
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد