أردوغان وحيداً في مواجهة نجوم الشاشة
لم يتوقع رجب طيب أردوغان للحظة، أن يكون محطّ مقارنة مع الرموز التي يستمدّ منها زخم مشروعه «العثماني». في ساحة تقسيم، وقف كلّ السلاطين ضدّ أردوغان، من خالد ارغينتش بطل مسلسل «القرن العظيم» (الذي ترجم إلى العربية بـ «حريم السلطان») إلى ديفريم أيفين الذي لعب دور السلطان محمد الفاتح في فيلم «فتح 1453».
وقف أردوغان ضد مسلسل «حريم السلطان»، لأنّه وجد فيه إساءة لشخصية السلطان سليمان القانوني، ودعا إلى وقف عرض المسلسل، ودارت مساجلات حادة بينه وبين خالد ارغينتش. لهذا قد يبدو تلقائياً نزول ارغينتش إلى ساحة تقسيم متظاهراً، يواظب على مواكبة الاحتجاجات ليلاً نهاراً، ضد سياسات القمع الأردوغانية. لكنّ كلمات المديح التي كالها أردوغان لفيلم «فتح 1453»، لم تشفع له، إذ انضمّ بطله ديفريم أيفين إلى زميله ارغينتش، وباقي المتظاهرين.
بدوره، يتأخر أبطال مسلسل «وادي الذئاب» عن النزول إلى الساحة ولم يتأخر كل أبطال المسلسلات التي عرفت نجاحاً واسعاً لدى الجمهور العربي من كيفانتش تاتليتوغ (مهند)، إلى توبا بويوكستون (لميس)، وبيرين سات (فاطمة). ومن لم يتمكن من الانضمام إلى الحراك بنفسه، راح يدعم الانتفاضة ببرقياته وفي مقدمهم المغني المشهور تاركان، وأروهان باموق حامل جائزة نوبل للآداب.
لم يتوحد الفنانون الأتراك يوماً كما توحدوا خلال الأيام الماضية، دفاعاً عن الحريّات في بلادهم. وسحر الدراما الذي رأت فيه سلطة «العدالة والتنمية» باباً للعبور إلى الوجدان العربي انقلب على الساحر. ولا شكّ أنّ أردوغان شخصياً تعرض لضربة قوية أمام الرأي العام العربي، خصوصاً حين رأى هذا الجمهور أبطالهم المفضلين على الشاشة، يقفون صفاً واحداً، ضدّه.
يدرك أردوغان دور الصورة الكبير في صناعة الرأي العام والتأثير فيه. لهذا كان شراء الإعلام أحد أبرز سياساته في السنوات الأخيرة. ومن لم ينجح في استمالته من الإعلاميين، كان مصيره الطرد من الصحيفة التي يعمل فيها أو من المحطة التي يطلّ عبر شاشتها، أو إرساله إلى السجن بتهمة الإرهاب.
يعتبر أردوغان أكثر رجال السياسة في العالم لا يقبل النقد. ولم يتردد بالدخول في سجالات علنية مع الكتّاب الذي ينتقدونه. وأشهر حادثة في هذا السياق تعود لربيع العام 2011، خلال حملته الانتخابيّة، حين هاجم الكاتبة نوراي ميرت، واتهمها بالجبن ـ في سخرية من اسم عائلتها «ميرت» والذي تعني الشجاعة ـ فقط لأنها انتقدت سياسته تجاه الأكراد. ولم يتورع عن الضغط ليطرد صحافيين كبار من أماكن عملهم ومنهم محمد ألتان، وايجيه تيميل كوران، وآخرهم الكاتب الكبير حسن جمال.
لم ينفع شراء أردوغان كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية في حجب الصورة عن ميدان تقسيم. شكلت التغطية الإعلاميّة للحدث، فضيحة كبرى. إذ تجاهلت معظم وسائل الإعلام الانتفاضة في البداية، لكنّها ما لبثت أن واكبتها بخجل.
ولم تخرج مواقع التواصل الاجتماعي عن المسار العام للضغوط، فحجبت الحكومة موقع تويتر لفترة، ولوحق عدد كبير من أصحاب المدونات ويمكن أن يواجهوا عقوبة السجن المؤبدّ.
خسر أردوغان هذه الجولة مع الإعلام، لدرجة أنّه وصف فايسبوك وتويتر «بالطاعون» الذي ينخر جسد المجتمع التركي. الجدير بالذكر أنّ منظمة «مراسلون بلا حدود» صنّفت تركيا مطلع العام الحالي، بـ«أكبر سجن للصحافيين». من يدري، قد تغيّر انتفاضة تقسيم من هذا الواقع المرّ.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد