أطفال ينضجون قسرياً
الخدمة في المنازل والاستغلال الجنسي والجريمة وتهريب المخدرات، إضافة الى البيع على الطرق، ومسح الأحذية وغيرها.. أعمال يتوزع عليها 13.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما يزيد عن 100 ألف طفل في لبنان وحده، أي ما يعادل 10.9 في المائة من المجموع العام للاطفال في لبنان، موزعين على محافظات محددة، كما جاء في ورشة عمل نظمت اخيرا في بيروت حول الموضوع.
هذه الأعمال التي توضع في مصاف أسوأ أشكال عمل الأطفال، هي بلا شك نتيجة الفقر والبؤس اللذين تعيشها آلاف العائلات اللبنانية في مناطق نائية يتحكم فيها الجهل والأمية، فتكون جميعها سببا يعيق حصولهم على فرص تعليمية مناسبة وحتى متدنية الكلفة في المدارس الرسمية، ما يضطرهم للانخراط في عمل استغلالي يتجاوز مردوده اليومي ثمن ربطة الخبز بقليل.
الحالات متعددة ومختلفة، بين من لم يتعرف على شكل المدرسة ودورها، وبين من دخل صفوف الروضات ثم خرج مباشرة الى سوق العمل ليصطدم بواقع أليم ومرير يعرضه لقسوة المجتمع والعنف الجسدي والمعنوي، إن من جهة رب العمل أو من أهله... فتكون النتيجة تراجعا على المستوى النفسي والفكري وحتى على توازنه العقلي، هذا اذا توفرت لهؤلاء الأوراق الرسمية التي تسمح لهم باستكمال دراستهم. فليس غريبا مثلا أن نصادف طفلا يبلغ من العمر 11 عاما وتاريخ ميلاده المسجل على الهوية لا يزيد عن 11 شهرا. ومشكلة عدم دخول الأطفال المدارس لا تقتصر على جهل القراءة والكتابة انما تنسحب على أمور أخرى أخطر تتمثل في عدم وعيهم لحقوقهم الاجتماعية، ما يسهل تعرضهم لأسوأ أشكال الاستغلال على ايدي الكبار بطرق بشعة لا تمت الى الانسانية بصلة.
أمام هذا الواقع المستشري في بعض المناطق اللبنانية، تنشط العديد من الجمعيات الاجتماعية التي تهدف الى تقليص عدد الحالات من خلال برامج أعدت خصيصا لهذا الغرض، وبما أن تمويل جمعيات كهذه ليس بالأمر اليسير، مع غياب شبه تام لمؤسسات الدولة خصوصا في مناطق تعيش ما دون خط الفقر كمنطقة «باب التبانة» في شمال لبنان حيث يعيش 5000 طفل ويعمل منهم 3000، انضم عدد من الجمعيات في بعض الدول العربية من بينها لبنان الى برنامج access mena الذي تموله وزارة العمل الأميركية على مدى أربع سنوات ويهدف الى مساعدة الأطفال العاملين والمعرضين لخطر التسرب المدرسي باعتماد مقاربات ابتكارية من خلال التعليم للحد من عمل الأطفال. تصل ميزانية المشروع الذي تشرف عليه وتديره مجموعة من المنظمات غير الحكومية وهي:CHF international، ومؤسسة رينيه معوض في لبنان والأميديست والجمعية الخيرية للرفاه الاجتماعي في اليمن، الى 8 ملايين دولار أميركي.
وبعد سنة على اطلاق المشروع في لبنان الذي تنفذه مؤسسة رينيه معوض بالتعاون مع 25 جمعية منتشرة في مناطق لبنانية عدة، نظمت ورشة عمل في فندق كراون بلازا في بيروت تحت عنوان «دور وسائل الاعلام في مكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال» بحضور ممثلين للمنظمات غير الحكومية المحلية ووسائل اعلام اقليمية ودولية. تحدثت في المناسبة المديرة الاقليمية للمشروع ليزبت زونيفيلد عن الشق الاقليمي له الذي يرتكز على وقاية الأطفال والحد من انتشار عملهم عبر دعم استمرارية التعليم المدرسي. كما عرض فادي يرق المدير التنفيذي في مؤسسة رينيه معوض لانجازات المشروع في لبنان (في محافظات بيروت والجنوب والشمال)، بعد انطلاقته في سبتمبر (ايلول) 2004، وأهمها تأهيل 770 طفلا خضعوا لبرامج متنوعة بحسب حالة كل منهم، والتركيز على تعليم الاناث ودورات محو الأمية والتدريب المهني المعجل ودورات الاستلحاق المدرسي وتحسين البنى التحتية في بعض المدارس، وتوعية الطفل وتثقيفه حول حقه في التعلم والحماية من العمل، وترشيد الأهل في ما يتعلق بتربية أولادهم وتنظيم حلقات توعية لأرباب العمل للحد من استغلال الأطفال. كما كانت زيارة ميدانية للمشاركين في ورشة العمل الى بعض الجمعيات التي تشارك في مشروع access mena، حيث التقوا الأطفال الذين يعمل على تحسين أوضاعهم وظروفهم الاجتماعية من خلال برامج تطال مستويات عدة بدءا من التدخلات التربوية مرورا بالاجتماعية والنفسية وصولا الى الطبية والقانونية باشراف فريق متعدد الاختصاصات، لبناء شخصية الطفل وتعليمه على مواجهة صعاب الحياة الاجتماعية والمهنية.
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد