إسرائيل والحرب على سوريا: بوادر خسائر اقتصادية
الحرب في سوريا ليست فقط قذائف ودماء، وليست حاضراً يذوي ومستقبلاً يضيع، ولا حتى خطوطاً حمراء كيميائية أو غير تقليدية. إنها كل ذلك وأكثر. فما دمر حتى الآن من مبان وبنى تحتية يقدر بعشرات المليارات من الدولارات إن لم يكن أكثر. ولكن الحرب لم تنته، وربما هي مقبلة على تصعيد بسبب القرار الغربي بـ«معاقبة» النظام لاستخدامه السلاح الكيميائي عن طريق تدمير المزيد من المنشآت السورية وقتل المزيد من السوريين.
ويبدو أن الحرب في سوريا لا تؤثر اقتصادياً فقط على السوريين، بل تضر وتفيد آخرين في الدول القريبة والبعيدة على حد سواء. ويكثر الحديث عن أن آثار الحرب، خصوصاً بعد تكاثر الحديث عن هجوم غربي وشيك، ستزيد في ضعف الاقتصاد الأوروبي، على سبيل المثال. وقد تفاعلت البورصات العالمية عموماً، والأوروبية خصوصاً، بانخفاضات حادة في أسعار أسهمها الرئيسية تحسباً لاحتمالات تطور الحرب أو تدحرجها إلى حرب شاملة في المنطقة. وكان أول رد فعل لتصعيد الموقف الأميركي هو ارتفاع أسعار النفط في العالم وبلوغها 114 دولاراً للبرميل، وهو ما أثر تقريباً على كل الدول غير النفطية.
وعن الاقتصاد الإسرائيلي حدّث ولا حرج. فاندفاعة الجمهور الإسرائيلي للتزود بكمامات الغاز يكلف الاقتصاد وقتاً ومالاً، بالإضافة إلى ما يخلق من إرباك. وجاء قرار المجلس الوزاري المصغر بتجنيد جزئي للقوات الاحتياطية ليضيف إلى أعباء الاقتصاد الإسرائيلي أعباء جديدة. ومعروف أن استدعاء الاحتياطي لا يعني فقط التكلفة اليومية لإبقاء هذه القوات ضمن جاهزية قتالية (وهي تكلفة كبيرة)، وإنما أيضاً تعويض الجنود عن تغيبهم عن أعمالهم وخسارة الاقتصاد عموماً لملايين ساعات العمل.
ومعروف أنه في أوقات التوتر تتراجع القدرة المعتادة على العمل ويتقلص اندفاع الجمهور للتسوق والشراء تحسباً لأيام أشد صعوبة. وتؤدي فترات الطوارئ والتوتر إلى تراجع معدلات الشراء وانكماش الاقتصاد التجاري من ناحية، وتركيز الناس على شراء الأساسيات.
وكانت الخشية من تدهور الوضع الحربي قبالة الجبهة السورية قد قادت بورصة تل أبيب إلى التراجع بنسبة 2,2 في المئة، وهو أكبر تراجع تقريباً في البورصات العالمية عدا بورصة مدريد. وزاد الطين بلة أيضاً ارتفاع سعر الذهب في العالم، ما قاد إلى تراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار بأكثر من 1,3 في المئة. ويعني ذلك أيضاً زيادة أسعار كل المواد المستوردة، وخصوصاً الوقود. ولم تمنح التطورات مستهلكي الوقود في إسرائيل أي فرصة بسبب ترافقها مع الموعد الشهري لتحديث أسعار الوقود، ما زاد سعر البنزين بين 20 و25 أغورة لليتر الواحد ليغدو حوالي دولارين و15 سنتاً لليتر الواحد. وإذا استمر سعر الوقود في الارتفاع والشيكل في الهبوط، فإن سعر البنزين سيقفز بشكل أسرع.
وقال خبراء في الاقتصاد الإسرائيلي إن المخاطر الجيوسياسية تشكل فرصة لاندفاعة البعض لتحقيق مكاسب في البورصة عبر نقل استثمارات مالية من دولة إلى أخرى، وهو ما يشير إلى خروج استثمارات من السوق الإسرائيلية. ولم يقتصر الأمر على شركات الوقود أو الهايتيك، بل تعداه إلى سندات الخزينة أيضاً حيث الفائدة تتناسب مع نسبة المخاطرة.
ومن الواضح أن قصة انخفاض سعر الشيكل مقابل الدولار قصة معقدة. فهذا الانخفاض لم يطرأ لاعتبارات اقتصادية اعتيادية، وإنما لأسباب مالية أبرزها اندفاع الجمهور لشراء الدولار لضمان الودائع في ظل اعتقاد جازم بأن الحرب ستلحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي.
وانخفضت العملة الإسرائيلية خلال يومين بنسبة بلغت 1,5 في المئة مقابل الدولار و1,3 في المئة مقابل اليورو. ولاحظ خبراء اقتصاديون أن الانهيار الحاد نسبياً للشيكل مقابل الدولار ينبع من «الأخطار الجيوسياسية»، والمتوقع زيادتها كلما اقترب الهجوم الأميركي وكلما تطور. وبمقدار ما يزداد الغموض في تطور الأحداث بمقدار ما ستشهد الأسواق العالمية عموماً، وأسواق إسرائيل خصوصاً، تذبذبات حادة في أسعار العملات والبضائع.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد