الأدوار الثانوية تسرق «وهج» البطولة أحيانا
لا يمكن النظر دائماً إلى أدوار البطولة في الدراما العربية، سينما أو تلفزيون، بوصفها المساحة الأمثل دائماً، لإظهار القدرات التمثيلية، والمحك الحقيقي لاختـبار أدوات الممثل. صحيح أن من بين الأدوار الأولى من يحمل أصحابها مهما كانت إمكانياتهم التمثيلية، ومن بينها أيضاً من يحملها أصحابها ليرفعوها. إلا أن ثمة أدوارا أولى ما بين هذه وتلك، تأتي بلا طعم ولا لون، وليس فيها مساحة من أجل اللعب، فلا انفعالات ولا تحولات دراماتيكية في مسار الشخصية ولا تلوّن في أدائها. تمضي وفق خط تصاعدي ربما، ولكنه رتيب ونمطي.
وبالرغم من ذلك نجد أن فنانين كثرا من نجوم هذه الأيام، يسارعون نحو تجسيدها، على عقمها هذا، لا لشيء سوى لأنها تأتي على مقدار نجوميتهم التي تقاس بعدد المشاهد الأكبر بين شخصيات العمل، متناسين أن معايير الدور الأساسي هي في مساحة حضوره في العمل، وتأثيره في الأحداث، لا مساحة ظهوره فيه، وأن إغراء الفنان الحقيقي يكون في شخصية تفجر طاقاته التمثلية، وتكشف إمكانيات فنية جديدة لديه، حتى لو لم تكن ضمن الأدوار الأولى في العمل.
ويكفي أن نقول إن فنانين كثرا، اكتفوا بالأدوار الثانوية، ولكنهم صنعوا نجوميتهم وشعبيتهم من خلالها لأنها تحمل تلك المواصفات. ومن هؤلاء الفنانين: نضال سيجري، شكران مرتجى، أندريه سكاف، محمد حداقي، أحمد الأحمد، جمال العلي وآخرون.
المسألة إذاً تتعلق بطبيعة الدور لا بحجمه. وتقدير ذلك لا بد أنه يحتاج إلى ما يسمى بالذكاء الفني للممثل. وليس كل نجوم الدراما اليوم يتصفون بهذا الذكاء، الذي لا يتوقف عند اختيار الدور، بل كيفية إدارته أيضا. وهما عنصران يساعدان الشخصية على أن تعلق في ذاكرة الناس، ومن تلك الشخصيات: شخصية «جحدر» التي أداها الفنان مصطفى الخاني في مسلسل «الزير سالم»، وقد تفوقت تلك الشخصية الثانوية على شخصيات رئيسية عدة في العمل. وبالمثل تقدم الفنان المصري خالد الصاوي في فيلم «عمارة يعقوبيان» ليحجز لنفسه بدور «المثلي» الثانوي مكاناً هاماً وسط نجوم الأدوار الرئيسية مثل نور الشريف وعادل أمام ويسرا...
ولعل في اختيار نجوم الصف الأول لمثل هذه الأدوار الثانوية ما يؤكد نجوميتهم. كالفنان جمال سليمان الذي ظهر بمشاهد عدة في مسلسل «طالع الفضة» في دور الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، فإنه يكتفي اليوم بمشاهد قليلة افتتاحية في الفيلم الإيراني «يوم الحرية»، يقول المطلعون على الفيلم بإنها ستكون مشاهد لا تنسى.
وأدى الفنان الكبير خالد تاجا بدوره شخصية لا تنسى أيضا عبر مشاهد معدودة، في مسلسل «عصي الدمع»، وهو دور رجل عجوز يقف في بهو بناء المحكمة ليسأل أين أنا، وعندما يجيبونه: بأنه في القصر العدلي.. يسأل: «قصر..شو؟!!!!» قبل أن ينفجر بالضحك.
وبالمثل يختار الفنان مصطفى الخاني من شخصيات مسلسل «آخر خبر» اللبناني شخصية شرطي يظهر في مشهد واحد في كل حلقة، مفضلاً إياها على شخصيات رئيسية في العمل. ومع بدء عرض العمل استطاع الخاني أن يلفت النظر إليه، ويجعل المتلقي يردد مفرداته.
في المقابل، يندفع بعض نجوم الصف الأول أحياناً إلى الأدوار الأولى، وفق مواصفاتها التقليدية، من دون النظر إلى طبيعتها وتنوعها، فلا يحصدون منها سوى قيمة العقد. ربما من المفيد أن نقول لهؤلاء بأن «مهرجان جمعية الفيلم» في مصر كرم مؤخراً الفنان سعيد صالح عن دوره بفيلم «زهايمر»، والذي ظهر خلاله في مشهد واحد مع بطل الفيلم الفنان عادل إمام.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد