الأسس النظرية للاستحمار 3: داخل غرفة سكينر.
الجمل ـ الأيهم صالح: أثبتت تقنيات علم النفس السلوكي المطورة عن تقنيات بافلوف وسكينر إمكانية التحكم بتفكير وقرارات البشر بشكل جماعي بدون وعي منهم، وقد تم تطبيق هذه التقنيات بكثرة في كل العالم وعلى عدة مستويات، ولذلك من النادر أن تجد إنسانا منسجما مع المجتمع المعاصر لم يتعرض للتكييف بطريقة ما. جميعنا تعرضنا للتكييف وجميعنا مازلنا نتعرض لمحاولات الاستحمار بشكل دائم لأن في العالم أشخاصا يملكون الإرادة والرغبة والتقنيات اللازمة لاستحمارنا.
أهم نتاج لعمليات التكييف هو نظرتنا العامة لما يحصل حولنا، وهي النظرة التي يتم بناؤها بثلاثة عوامل أساسية في مجتمعنا السوري، الأسرة والدين والتعليم. تعتمد جميع هذه العوامل على وضع الشخص في ظرف مناسب للتكييف (غرفة سكينر مناسبة)، ثم تدريبه (تكييفه) بالتدريج عبر مكافأته عندما ينفذ المطلوب منه، وعدم مكافأته عندما لا ينفذ المطلوب منه. بالتدريج يتكيف كل منا على قبول أن المكافأة تأتي نتيجة تنفيذ المطلوب.
تؤدي عملية التكييف التي تطبق بشكل منهجي على الأطفال إلى تطبيعهم بطباع عامة مشتركة، فبشكل عام وباستثناءات قليلة، جميعهم يعتنقون نفس الأفكار الدينية، وجميعهم يجيبون على نفس الأسئلة المعرفية بنفس الأجوبة، وجميعهم يحترمون نفس العادات والتقاليد الأسرية، وهم بذلك يحققون نظرة بيرني للبشر كأختام. وبالنتيجة أيضا تتشكل لدى جميع الأطفال والشباب نظرة عامة مشتركة عن العالم وما يحصل حولهم، ويتم تحضيرهم للمراحل القادمة من التكييف في حياتهم المستقبلية.
أستطيع أن أقدم لكم أمثلة كثيرة، ولكنني سأقترح عليكم البحث عن أمثلة بأنفسكم. تذكروا كم مرة تعرضتم لهذه التقنية، وكم مرة عرضتم أولادكم أو طلابكم لها. وإذا كنتم لا تصدقون أن الأسرة والدين والمدرسة هي غرف تكييف، فهل تستطيعون تخيل شكل الأسرة عندما ينفذ كل فرد منها ما يريده فعلا وليس ما يطلب منه، أو شكل الدين عندما يعتقد كل شخص بما يريده بغض النظر عن متطلبات رجل الدين، أو شكل المدرسة عندما يتعلم الطالب المعرفة التي يحبها بالطريقة التي تناسبه، وليس دراسة المناهج المفروضة عليه بالطريقة المفروضة عليه.
عندما يكبر الطفل ويصبح "مستقلا" أو "حرا" يتعرض لمؤثرات تكييف من نوع آخر، كالإعلام والعلاقات العامة وبيئة العمل، ولكن هذه المؤثرات أقل أهمية بكثير على حياة الشخص من التكييف الذي تعرض له في السابق. وهكذا يمكننا أن نتخيل حياتنا في المجتمع المعاصر على شكل تنقل بين غرف تكييف، نخضع في كل منها لتدريب ما على تنفيذ مهام ما يطلبها أشخاص ما، ونكون مقتنعين أننا نمارس كامل حريتنا ونتخذ قراراتنا بكامل المسؤولية عنها ووفق رغباتنا النابعة من ذاتنا. وحتى عندما يخلد أحدنا إلى الراحة في منزله، ولا يتواصل مع أحد آخر بشكل مباشر، فالتلفزيون والإنترنت تقدم له جرعات من التكييف مخصصة لهذه الحالة، بحيث تصبح وحدة كل منا مجرد غرفة سكينر أخرى يدخلها بملء إرادته ليتابع تدريبه على تنفيذ المطلوب منه.
إضافة تعليق جديد