البرابرة للإيطالي أليساندرو باريكو
حين تتخذ الثقافة المعاصرة من السطحية والشكل لغة لها، وحين تحيد عن درب الريادة لتسلك درب الهبوط فهي بذلك تمهد لولادة ثمرة هجينة تحيّر المثقفين وتخيفهم.
إلا أن أليساندرو باريكو، الكاتب والناقد الإيطالي، اختار أن يسلط الضوء على المنحى الذي اتخذته الثقافة المعاصرة. فأخذ على عاتقه مهمة سرد مسيرة ثقافة هابطة في حلقات بحث أطلق عليه عنوان «البرابرة»، واختار أن يطل به على القارئ من خلال صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية.
ويحاول أليساندرو باريكو، وهو صاحب روايات معروفة مثل «حرير» و «قصور الغضب» و «الأوقيانوس البحر»، أن يرسم معالم الثقافة المعاصرة بأسلوبه المبطن والاستفزازي في الوقت عينه، مستعيناً بمعالم من الثقافة الشعبية والإرث الأدبي الكلاسيكي ليذكر بهما القارئ ويسترجع من خلالهما المفهوم المعهود للثقافة. وبهذه الطريقة يحاول باريكو أن يقابل الثقافة التي تكونت عبر السنين والقرون بثقافة أخرى جديدة أسسها، لم تتجذّر بعد. ولعل لغزها ينفك ويتحول خوف النقاد الأدبيين والملتزمين منها فهماً وتفهماً.
ويسعى أليساندرو باريكو من خلال «البرابرة» إلا إشراك القارئ في طريقة فهمه للغريب الذي أتت به الثقافة المعاصرة المتهمة بالهبوط. وهي مخاطرة خصوصاً أنه يقرّ بأن المنطق الذي استند إليه في مغامرة فهمه ودراسته للثقافة المعاصرة قد يخونه في مواجهة المبادئ الأدبية والثقافية الكلاسيكية الراسخة في ذهن الأديب والناقد والقارئ.
إنها رحلة في مجهول الثقافة المعاصرة فاجأ بها أليساندرو باريكو على عادته قراءه ونقاده، وأثبت للمشككين بقدرته الإبداعية انه قادر على ولوج زوايا مجهولة في ثقافة حكم عليه بالهبوط والسطحية. بل انه ذهب بإبداعه الى محاولة فهم هذا الهبوط واحتوائه بدل الخوف منه والحكم عليه، فإذا كان الإنسان عدو ما يجهل فلمَ لا يصبح حليف ما يعلم؟
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد