التجلي الأول لهيثم حقي سينمائياً:غيلان الدمشقي من التمردإلىالإستكانة
«التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» بهذه الوفرة بالعنوان، و.. الرفاهية بالاسم، قدم هيثم حقي «تحوله» الدرامي، أو انعطافته الفنية باتجاه السينما، وهو الذي كان على مدى عقود أحد أهم أعلام ومعالم الدراما التلفزيونية السورية. و.. صانعي «مجدها»..!
و.. ربما قد يفسر البعض هذه الترف في العنوان، الذي تجسّد في الاسم الطويل من السرد التليفزيوني، الذي يطلق عليه أحياناً «الثرثرة التليفزيونية..» لكن الحقيقة، فإن هذا الترف في عنوان فيلم حقي (التجلي الأخير لفيلات الدمشقي) والذي هو فاتحة انتاج «ريال فيلم» باعتبار ان ثمة أفلام اخرى، هي قاب قوسين من الإنجاز، بدافع النية الطيبة لحقي الذي يريد «أن يعود جمهور السينما الى الصالة..» حسب تصريحه في افتتاح الفيلم..!!
أقول إن هذا الترف بالعنوان أراد له حقي ـ ربما ـ لأن يزيد في كاريكاتورية الشخصية ـ سامي دقاق ـ جسدها فارس الحلو، والذي قاطع بينها وبين مثقفي الأمس القريبين منهم، والبعيدين، فرغم أن استبداد الأنظمة في العالم العربي، لا يزال على حاله، لكن الفيلم يتساءل، مالذي دفع بمثقف العصور الغابرة لأن يصرخ، وإن قطعوا أوصاله، ونفي، وحرق،و..عذّب ، رغم ذلك يحتج على الظلم، و.. الاستبداد، و.. مالذي روّض مثقف اليوم، وجعله خانعاً مستيكيناً ، و.. هو لا يصرخ في وجه حاكم مستبد، بل حتى لايستطيع أن يصرخ في وجه استبداد راكب سرفيس الى جواره، أو حتى أمام جارة مستبدة بإغوائها..؟!!
إذاً.. كان على الفيلم ان يطرح السؤال، ولم يعنيه كشف الأسباب التي كانت وراء اندمار المثقف اليوم، مع أن شيئاً لم يتغيرّ، ربما منذ القرن الرابع البحري، فالاستبداد واحد، وإن تعددت اشكاله ، مع ذلك ثمة مثقف هناك صرخ، يتمثله مثقف اليوم في أحلام يقظته كاطناب في العجز، منذ أبن رشد الى غيلان الدمشقي، و.. عبد الرحمن الكواكبي، مع ذلك بقي تمثل هؤلاء في أحلام اليقظة، التي هي أحلام العاجز.. العجز..!!
«التجلي» هنا يفهم منه الظهور، وكأن هيثم حقي يقطع الأمل من أن يطلق مثقف اليوم هذه الصرخة، وقد استكان إلى الصمت بشكل نهائي حتى تحول مع مرور الوقت إلى كائن هضمي، فاقد كل الأحاسيس (مشهد موت الأم لم يحرك لديه سوى الغرائز..) وقد أكد في عنوان الفيلم أنه التجلي هو «الأخير» أي كأنه يؤكد إن لاقائمة ستقوم لهذا المثقف بعد اليوم، فهذا هو التجلي النهائي، وهنا الكائن صار أشبه بالهوام، وقد استحكمت به الهزيمة بكل مفاصله وتفاصيله، يؤكد ذلك أو يشير إليه في عصافير القفص، والصراصير التي يقضي الوقت بجمعها، ثم ليتحول التمثل لمثقف الأمس وتمرده، إلى تمثل الصرصور الذي يسحق بحذاء عملاق..!!
هذه التجليات لغيلان الدمشقي، يقدمها حقي في شخصية سامي دقاق على طريقة السرد الروائي، تجليات أو ظهورات في أزمات مختلفة للشخصية المثقفة تتقاطع دفعة واحدة في شخصية راهنة حاضرة، في رحلة المثقف وتحولاته من الاحتجاج إلى الصمت، وعندما حاول ولمرة واحدة أن يصرخ، فإن دفع الصرخة التي كانت أقرب إلى الخرس، وبدل أن تدفعه باتجاه الأمام، إذ تدفعه باتجاه الخلف ولتكون الصرخة الأخيرة، الصرخة القاتلة..!!
الفيلم إذاً لايحتج على أنظمة الاستبداد، وإنما يحتج على مثقف اليوم، المثقف الذي يسرد تجلياته في كل العصور على أنه طليعي و.. «زعيم» ثقافي، يخطب، يحتج يرشد ويوعي، وإذ به ينكفئ فجأة على نفسه، دون شرح للأسباب، فقط يطرح السؤال «لماذا..؟» لكن دون أن ينتظر الجواب، يقطع منه الأمل نهائياً يتركه بعد أن جرده من كل الأحاسيس، وحوله أو تحول إلى كائن هلامي، عجوز وهو في سن الشباب، يهرم بسرعة، يعيش في أحلام يقظته واحلامه، وعجزه الطويل..!!
«التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» بهذه الوفرة بالعنوان، و.. الرفاهية بالاسم، قدم هيثم حقي «تحوله» الدرامي، أو انعطافته الفنية باتجاه السينما، وهو الذي كان على مدى عقود أحد أهم أعلام ومعالم الدراما التلفزيونية السورية، و.. من صانعي «مجدها»..!!
و.. ربما قد يفسر البعض هذه الترف في العنوان، الذي تجسد في الاسم الطويل من السرد التلفزيوني، الذي يطلق عليه أحياناً «الثرثرة التلفزيونية» لكن الحقيقة، فإن هذا الترف في عنوان فيلم حقي «التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» والذي هو فاتحة انتاج «ريال فيلم» باعتبار أن ثمة أفلام أخرى، هي قاب قوسين من الإنجاز، بدافع النية الطيبة لحقي الذي يريد «أن يعود جمهور السينما إلى الصالة..» حسب تصريحه في افتتاح الفيلم..!!
أقول، إن هذا الترف بالعنوان أراد له حقي ـ ربما ـ لأن يريد في كاريكاتورية الشخصية ـ سامي دقاق ـ جسدها فارس الحلو، والذي قاطع بينها وبين مثقفي الأمس القريبين منهم، والبعيدين، فرغم أن استبداد الأنظمة في العالم العربي، لايزال على حاله، لكن الفيلم يتساءل، ماالذي دفع بمثقف العصور الغابرة لأن يصرخ، وإن قطعوا أوصاله، ونفي، وحرق، و.. عذب، رغم ذلك يظل يحتج على الظلم، و.. الاستبداد، و.. ماالذي روض مثقف اليوم، وجعله خانعاً مستكيناً، و.. هو لايصرخ في وجه حاكم مستبد، بل حتى لايستطيع أن يصرخ في وجه استبداد راكب سرفيس إلى جواره، أو حتى أمام جارة مستبدة بإغوائها..؟!!
إذاً.. كان على الفيلم أن يطرح السؤال، ولم يعنيه كشف الأسباب التي كانت وراء اندحار المثقف اليوم، مع أن شيئاً لم يتغير، ربما منذ القرن الرابع الهجري، فالاستبداد واحد، وإن تعددت أشكاله، مع ذلك ثمة مثقف هناك صرخ، يتمثله مثقف اليوم في أحلام يقظته كإطناب في العجز، منذ ابن رشد إلى غيلان الدمشقي، و.. عبد الرحمن الكواكبي، مع ذلك بقي تمثل هؤلاء في أحلام اليقظة، التي هي أحلام العاجز و.. العجز..!!
وهذه وجهة نظر.. فليس من مهام العمل الإبداعي كشف الأسباب، واعطاء الحلول، إذ يكفيه شرف طرح السؤال و.. حسب وهذا مافعله هيثم حقي في تجليه السينمائي الأول (التجلي الأخير لغيلان الدمشقي)..!!
علي الراعي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد