الجماعة بدأت معركة تجفيف منابع الحداثة في مصر: مسرح وكتب لا تخالف شرع «الإخوان»
في ثمانينيات القرن الماضي قررت مجموعة من طلبة جماعة الإخوان المسلمين تأسيس فرقة مسرحية داخل إحدى جامعات مصر، وكان باكورةَ إنتاجِهم عرضٌ مسرحيٌّ عن بداية الدعوة الإسلامية. كان أحد الطلاب يقوم بدور «شخص لا يؤمن بدين محمد الجديد». كان يصعد كل يوم إلى خشبة المسرح ويصرخ بصوت جهوري: «غدا نقتل محمداً»، ثم بصوت خفيض وواضح للمتفرجين: صلى الله عليه وسلم! كان الجمهور يضحك على المشهد، والممثل الإخواني لا يعرف سببا لضحكاتهم في عرض «ديني» لا يوجد فيه «أفيه» واحد ينتزع الضحكات، وربما لم يعرف حتى الآن!
وفي ما يبدو، يريد الإخوان تطبيق تصوراتهم للفن والكتابة بل والنشر بحسب تصوراتهم «المريضة»... خطتهم التى بدأوا تطبيقها تستهدف «تجفيف المنابع»، وقد لا تكون خطة الإخوان أنفسهم وإنما شخصيات خارجهم تريد تقديم خدماتها لهم بالمجان، ضمانا لاستمرارهم فى المناصب!
كانت البداية منذ أيام عندما اعتمد رئيس جامعة المنوفية أحمد زغلول لائحة العروض المسرحية التي ستقدم في مهرجان المنوفية لكليات الجامعة، وابرز ما جاء في اللائحة: عدم إقحام الموسيقى والاستعراضات الفنية في العروض وعدم الاستعانة بنصوص مسرحية سياسية، أو بها إسقاط سياسي، أن يكون العرض لكاتب عربي مشهور، مع الحفاظ على جوهر النص بدون تعديل او تحويل أو إضافة، وأن يكون معبرا عن قضايا المجتمع ومشكلاته.
شباب الجامعة اعتبروا اللائحة «ردة ثقافية»... واعتبروا فى بيان لهم القرار بمثابة: «أخونة صريحة للأنشطة الطلابية بالجامعة»، وأصدروا بيانا يرفضون فيه اللائحة الطلابية الجديدة، معتبرين إياها: «استمراراً لمسلسل أخونة الدولة ومؤسساتها، واستمرارا لفرض القيود على حرية الفن والإبداع التي شنتها جماعة الإخوان المسلمين، ويتعارض مع نصوص الدستور الذي طالما صدعنا «الإخوان» بأنه أفضل دستور فى العالم، لأنه يضمن حرية «الفن والإبداع». وهدد الطلاب وبعض القوى السياسية داخل المحافظة، بالاعتصام أمام مكتب رئيس الجامعة، إذا لم يتم سحب اللائحة الفنية الجديدة «المستبدة» بحسب وصفهم.
وكانت الجامعة نفسها قد شهدت فى تشرين الثاني الماضي حادث اقتحام أحد الملتحين قاعة المسرح الجامعي، أثناء أداء بعض الطلبة بروفات عرض مسرحي، وطالبهم بالتوقف فورا عن ممارسة التمثيل، بحجة أنه فسق ورجس من عمل الشيطان، واعتبر مسؤولو الجامعة الحادث وقتها «حادثا فرديا» بلا قيمة. لكن لم يتوقع أحد أن المسؤولين أنفسهم سيعتبرون الفن بعد شهرين «رجسا» أيضا.
واستمرارا لإظلام قاعات الفن، أعلن مسرح «روابط» توقفه عن تقديم أو استضافة أي عروض فنية حتى نهاية شهر آب المقبل، بسبب الأزمة المالية الطاحنة التي يعانون منها، حتى انهم لم يتمكنوا من دفع إيجار القاعات فى الشهور الماضية.
وفي جانب آخر، واستمرارا لمسلسل «تجفيف المنابع»، أرسل اتحاد الناشرين المصريين الذي يرأسه الإخواني عاصم شلبي إلى دور النشر المصرية خطابا بمعايير الكتب التي ستتعاقد عليها وزارة التعليم، لإمداد مكتبات المدارس... وأبرز هذه المعايير ألا تتعارض مع القيم الدينية، أن تكتب بالعربية الفصحى، ألا تحتوي على ألفاظ خارجة على الأخلاق، وأن تعزز قيم البطولة والفداء فى نفوس القراء الأطفال. الشروط تحد من خيارات دور النشر الخاصة، التي تقدمها كل عام إلى وزارة التعليم، وتستبعد كل كتب الأطفال المترجمة، كما أن «قيم البطولة والفداء» تفتح بابا لا ينتهي للعنف باسم الدين. ولكن الأهم أن العديد من الناشرين قد يستجيب تحت ضغط «بيزنس» التعليم لهذه الشروط لتبدأ معركة غسيل دماغ الأطفال.
هل سينتصر الإخوان فى معركتهم الفاشية؟ ربما، لكنه لو حصل فهو انتصار مؤقت!
محمد شعير
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد