"الخيال العلمي" تنتصر لليسار

05-04-2009

"الخيال العلمي" تنتصر لليسار

لا تزال السينما تعكس، وعلى نحو ضمني في معظم الأحيان، تقلّب الأزمنة والظروف الاجتماعية والسياسية معلنة انتماءها الى واحد من تلك المعسكرات السياسية التي يتشكّل منها هذا العالم. وسينما الخيال- العلمي، وأفلام الفضاء أو غزاة الأرض أو أفلام الكوارث، من بين أكثر الأنواع السينمائية قدرة على فعل هذا الانعكاس والتجسيد.

خذ مثلاً الظاهرة التي تتأّلف منها العديد من أفلام الخيال العلمي هذه الأيام. حلل الظاهرة تجد أن هناك اختلافاً في العمق عن أفلام الكوارث والخيال العلمي السابقة، لنقل معظم ما تم إنتاجه في الخمسينات والستينات.

على سبيل المثال، ما هما العاملان المشتركان بين الأفلام التالية: “الحدث”، الذي أخرجه م. نايت شياملان في العام الماضي، و”العملاق العجيب” للويس لتيريير و”أنا أسطورة” لفرنسيس لورنس، و”معرفة” لأليكس بروياس و”ملائكة وشياطين” لرون هوارد من بين أخرى؟

طبعاً هناك العامل المشترك الواضح وهو أنها جميعاً أفلام من الخيال العلمي (ويسمّى بذلك نسبة الى أن قصصه “فانتازيات” ملحقة بالعلم أو فيها اعتماد على موضوع علمي). العامل الأكثر وضوحاً أنها جميعاً تحتوي على شخصيات من العلماء يقودون الحكاية التي نراها في كل فيلم.

وقد يخيّل للبعض أن هذا تحصيل حاصل. أفلام الخيال- العلمي فيها علماء والا كيف يمكن لها أن تكون علمية؟ لكن الحقيقة غير ذلك فأفلام خيال-علمية كثيرة خرجت من دون أن تحتوي على شخصية عالم. خذ مثلاً سلسلة “باتمان” وفيلم “آيرون مان” وفيلم “المتحوّلون” أو المعروف أكثر بعنوانه الإنجليزي Transformers، وسلسلة أفلام “رجال إكس وسلسلة أفلام “ستار وورز” وفيلمي “أنا، روبوت” الفيلم السابق لأليكس بروياس و”حرب العالمين” لستيفن سبيلبرغ، ستجد أنها تخلو من شخصية العالم. أكثر من ذلك، أن عدداً كبيراً منها، مثل “المتحوّلون” و”آيرون مان” و”حرب العالمين”، وأفلام أكثر على مر العقود، تستبدل شخصية العالم بشخصية العسكري، وكذلك يفعل الفيلم الحديث المعروض حالياً “سباق الى جبل الساحرة”.

 والمعنى المجسّد في وجود علماء في أفلام الخيال العلمي الحالية هو أن المخاطر التي تنتاب الأرض، لأي من الأسباب، سواء أكانت بيئية أو مجرّد غزو فضائي بحثاً عن حياة أفضل أو تدميراً للإنسان بذاته، أو كتوجيه لانتشار فيروسات قاضية تمحي الحياة من الأرض، يجب أن تُعالج علمياً إذا ما كان هناك أمل في بقاء الحياة على هذه الأرض.

هذا التجسيد يضع هذه الأفلام الحاوية على علماء يشتركون في حل معضلات الحياة على الأرض على يسار الخط السياسي الأمريكي الحالي على اعتبار أن المواجهة العسكرية لم تعد مفيدة أو رادعة (كما الحال في “الحدث”) أو هي السبب في تحويل العلم عن أهدافه “العملاق العجيب” أو لا مكان لها حيال انتشار الفيروس القاضي على البشرية بأسرها (“أنا أسطورة”).

فيلم “معرفة” يقوده في الحقيقة بروفيسور متخصص في مسائل الفضاء والطبيعة (نيكولاس كايج)، ومع أنه غير قادر على التدخّل لمنع الكوارث التي ستقع وتقضي على البشرية في كل مكان، ينجح في تجنيب مستقبل البشرية العدم كاملاً عندما يوافق على انتقال صبي وفتاة الى العالم الآخر مرشّحين للتناسل وصنع حياة ربما تكون أفضل من تلك التي عاشها الإنسان على سطح الأرض.

 وذلك مشابه لما يرد في فيلم “الحدث” من حيث إن بطله أيضاً عالم (مارك وولبرغ) يكتشف الضرر الكبير الذي أحدثه الإنسان بيئياً ما جعل البيئة تثور عليه وتعاجله بهجوم مضاد (غير مقنع تماماً لكن هذه مسألة أخرى).

الأفلام التي تقف على يمين الخط السياسي، تلك التي تؤمن أنه بالسلاح وحده يمكن حل كل المشاكل التي تهدد الإنسان. منها “آيرون مان” فيه توليفه خاصّة: والد البطل كان تاجر سلاح يموّل اليمين الأمريكي وسياسة التسلّح الغربي حول العالم. بعد موته، يرث ابنه (روبرت داوني جونيور) مملكته ليكتشف أن بعض هذا السلاح إنما ينتهي الى أيدي الثوار ما يدفعه لابتكار بذلة من الأسلحة لا يمكن أن تقع في أيدي الأعداء بل توحّد عملية مجابهتهم.

العسكر ضد غرباء الفضاء في “حرب العالمين” لستيفن سبيلبرغ مع نهايته غير الموفّقة وفي “المتحوّلون” بنهايته المبتورة. وفي “حراس” لزاك سنايدر، هم الوحيدون المؤهلون لإحلال السلام على الأرض وذلك عبر استخدام السلاح النووي لمحو بعض البشرية حتى يمكن إنشاء بشرية جديدة.

إنه صراع بين العلم والعسكر. وفي أفلام الخمسينات كان العلم يأخذ -غالباً- موقعاً في الخلفية وإذا ما تناولته الأفلام وجدناه مسؤولاً عن الكوارث بنفسه. في “تارنتولا” (وهو نوع من العناكب السامّة) نرى العالم مسؤولاً عن تكبير حجم العنكبوت لدرجة يصبح فيها عنكبوتا عملاقاً لا يمكن قهره بالأسلحة العادية، لكن العسكر في النهاية هم الوحيدون القادرون على قهره.

في “الشيء” هناك عالم يريد أن يدرس هذا الغازي المخيف الآتي من الفضاء، بينما يريد العسكري القضاء عليه. الجدال بينهما ينتهي بوقوف الفيلم مع العسكر ضد العلم إذ يدفع العالم حياته ثمناً لرغباته السلمية.

حين خرج “اليوم الذي توقّفت فيه الأرض” سنة 1955 كان ذلك تحيّة فريدة للعلم بين أكوام الأفلام المعادية لدور العلم آنذاك. ثم جاء سبيلبرغ ومنحنا “لقاءات قريبة من النوع الثالث” الذي أعاد الكلمة للعلم على عكس فيلمه الأخير من هذا النوع.
 

محمد رضا

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...