الدورات الوظيفية شهادات لا أكثر

31-05-2011

الدورات الوظيفية شهادات لا أكثر

دفع غياب الإستراتيجية الواضحة في نظام العمل التدريبي ضمن المؤسسات الحكومية إلى الاهتمام بالدور الذي تلعبه العملية التدريبية في تطوير القوة البشرية وأثرها على البناء الاقتصادي بعد رأس المال وحجم العمل في المؤسسة،.
ومن ثم إصدار قرارات عملية في هذا المجال تنهض بواقع التدريب في سورية، كقرار رئاسة مجلس الوزراء بتخصيص 3% من ميزانية الدولة للتدريب والتطوير في القطاع العام، ومن ثم قانون العمل الجديد الذي نص على تخصيص 1% للتدريب والتأهيل في القطاع الخاص حال تجاوز عدد موظفي المؤسسة الخمسين موظفاً، باعتبار الإنسان رأس مال حقيقياً لا بد من استثماره. ‏
ولكن ما الفائدة من تلك الاعتمادات عندما تتحول من الاستثمار في الإنسان إلى الإنفاق عليه من دون عائد؟ فلا نظام واضحاً يحدد الاحتياجات التدريبية الخاصة بالمؤسسة نفسها، ولا آليات عمل منظمة يتم من خلالها اختيار ذاك المتدرب عن سواه، ولا حتى برامج تقويم نهائية تقيس مدى التحسن ومستوى الإنتاجية بعد تلك البرامج التدريبية وأثرها على المؤسسة وموظفيها. ‏

شهادات.. لا أكثر! ‏
معظم من تم ترشيحهم للالتحاق بالدورات التدريبية المتخصصة بمجال عملهم في القطاع العام أكدوا مدى أهمية تلك البرامج التدريبية وأثرها الوظيفي، إلا أنهم اتفقوا أيضاً على نسيانهم ما تعلموه بعد فترة زمنية قصيرة نتيجة عدم محاكاتهم لما تعلموه في تلك الدورات وتطبيقه في أماكن عملهم على اختلافها. ‏
السيد طارق وهو موظف قطاع عام تحدث عن إحدى تجاربه مع الدورات التدريبية قال: رشحت المؤسسة بعضاً من زملائنا للالتحاق بدورة تدريبية علمية ذات أهمية كبيرة من الناحية العملية والعلمية، وهي مكلفة جداً في حال أراد الموظف أن يتبعها على نفقته العامة بسبب أهمية المدربين القائمين عليها، وفعلاً كانت تجربة مهمة أكسبتنا مهارات ومعارف جديدة تصب في مصلحة العمل الذي نشغله، ولكن هذه المهارات لم توظف أو تستخدم فيما بعد لتطوير ما يفترض أن نعمل على تطويره، إذ لم يكن هناك أي جهة تعمل على التأكد من فعالية تلك الدورة وتحقيقها النتائج المرجوة منها. ‏
أما ربى وهي موظفة في القطاع العام أيضاً فاعتبرت هذه الدورات مجرد شهادات على المتدرب أن يحصل عليها في نهاية الدورة، إذ لا تهتم المؤسسة التي أشرفت على عملية الترشيح وإقامة الدورة ودفعت كل تلك التكاليف إن حققت تلك الدورة النتائج المطلوبة أم أنها فشلت، إيماناً منها بعدم جدوى تلك الدورات وعدم إمكانية تطبيق ما نتعلمه فيها على أرض الواقع، ولكن لابد من إقامة تلك الدورات كونها موجودة في مخطط المؤسسة وميزانيتها. ‏

إنفاق دون عائد ‏
عدم تقييم أداء المتدربين بعد التحاقهم بالدورات التدريبية وورشات العمل الواجب عليهم إتباعها، دفع البعض إلى عدم الاهتمام بمضمونها واعتبارها مجرد شهادة لا أكثر، وهذا رد فعل طبيعي للمتدرب عندما يقف عاجزاً أمام تطبيق ما تعلمه في الدورة على مكان وظيفته رغبةً منه في تطوير أداء العمل، وبالتالي فإن كل تلك المبالغ التي تصرف على الدورات التدريبية من أجور المكان والمدربين وأجور إقامتهم في حال قدموا من بلد آخر تذهب هباءً دون أي مردود لها.

وعن عملية تقويم البرامج التدريبية كما يجب أن تكون، تحدث أسامة عبد الكريم هزي (ماجستير في إدارة الأعمال) فقال: يشكل العائد من البرامج التدريبية مادة خصبة للنقاش، ولاسيما أن ميزانيات التدريب قد تصل إلى أرقام خيالية خاصة بالمؤسسات الكبيرة، ولأن التدريب عملية مخططة ومنظمة مستمرة تهدف إلى إكساب العاملين المعارف، والقدرات والمهارات الجديدة المتخصصة والمرتبطة بالعمل، أو تغيير بعض اتجاهات العاملين وسلوكياتهم بشكل يضمن تحسين الأداء وتحقيق أهداف المنظمة، فإن لهذه العملية عناصر مهمة ومبادئ لابد من تطبيقها لضمان نجاحها وأهمها تقويم البرنامج التدريبي. ‏
ويضيف هزي: إن مجموعة الإجراءات التي تستخدمها الإدارة من أجل قياس كفاءة البرنامج التدريبي ومدى نجاحه في تحقيق الأهداف المحددة، وقياس كفاءة المتدربين ومدى التغيير الذي أحدثه التدريب فيهم، وكذلك قياس كفاءة المدربين الذي قاموا بتنفيذ العمل التدريبي، كل هذه الإجراءات هي عملية التقويم بذاتها والتي يجب أن تتم عبر ثلاث مراحل أولها: تقييم التدريب في مرحلة التخطيط وهنا تتم لقاءات بين القائم على تخطيط التدريب وبين الرؤساء والمشرفين على الإدارات والأقسام التي أوضحت احتياجاتها للتدريب، ولقاءات أخرى مع المدربين للاتفاق على المادة العلمية واحتياجات المتدربين، ومن ثم تأتي المرحلة الثانية وهي تقييم التدريب أثناء العمل كالتقرير اليومي عن العملية التدريبية كاملة، وأخيراً تقييم التدريب بعد التنفيذ وهنا يجب التأكد من حدوث نوعين من التغيرات الجوهرية وهي التغيرات في مستوى المهارة والمعرفة، والتغيرات السلوكية المرتبطة بعلاقة الفرد مع الآخرين المحيطين به في عمله.

المناسب.. من يكون؟! ‏
تساءل معظم من أبدى رأيه في هذا الموضوع عن الآلية التي يتم من خلالها اختيار المرشحين للدورات التدريبية، والسؤال هنا: ما هي الآلية التي تعتمدها المؤسسة في اختيار المرشحين المناسبين للدورات التدريبية بين كل هذا الكم من الموظفين؟ ‏
إن الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو صعبة جداً في غياب آلية اختيار واحدة للمتدربين في المؤسسات، فالرأي الرسمي يعتبر أن هناك محددات معينة خاصة بكل دورة من الدورات تتطلب مواصفات بعينها موجودة بالمتدرب، يتم اختياره على أساسها وتحاول المؤسسة جاهدة توزيع الأفراد (موظفيها) بشكل عادل على هذه الدورات، لاسيما أن بعض الدورات لا تقررها المؤسسة ذاتها بل تأتي على شكل كتاب من هيئات تدريبية رسمية معينة تطلب فيه ترشيح بعض الأسماء المناسبة للالتحاق بالبرنامج التدريبي، والمناسب هنا كلمة فضفاضة يقررها صاحب القرار، هكذا يرى بعض الأشخاص الذين لم يرشحوا أبداً لأيِ من هذه الدورات رغم أن زملاءهم المرشحين ليسوا بالأفضل حسب وجهة نظرهم. ‏
الأستاذ هزي ذكر لنا المحددات العلمية التي يمكن الاعتماد عليها في اختيار المتدرب وهي مدة الخبرة والدوافع والميول والمستوى التعليمي والمستوى الوظيفي والهدف من الدورة وموضوعها وعلاقته بالمتدرب، كل هذه المحددات تساعد الإدارة على عملية الاختيار إلا أن هذه العملية تبقى محل شك حال أصبح القرار فردياً في المؤسسة كما يرى البعض. ‏
التجربة اليابانية ‏
لم يمض وقت طويل على تنبه القطاع الرسمي لأهمية التنمية الإدارية، وآثارها المستقبلية في تطوير العمل ورفع الإنتاجية في المؤسسات كلها، ولهذا فإن معظم المدربين القائمين على العملية التدريبية هم من أصحاب الخبرة فقط ولم يعدوا تماماً ليكونوا مدربين أكفاء يقودون العملية التدريبية في مؤسساتهم كما في التجربة اليابانية مثلاً، إذ عملت اليابان إبان الحرب العالمية الثانية على موضوع التنمية الإدارية لحاجتها الماسة إلى مدربين أكفاء هم من الشباب تم اختيارهم للتدريب على الأعمال الإدارية وإعطاؤهم الفرصة للترقي إلى مراكز القرار والمسؤولية. ‏
لذلك يجمع المختصون على ضرورة إيجاد هيئات تقوم على إعداد شباب مختارين من المؤسسات وفق آلية ومحددات واضحة ليتبعوا برامج تدريبية تؤهلهم مستقبلاً لإدارة العمل وتطويره في مؤسساتهم، وعدم فتح الباب أمام كل الجهات فيصبح التدريب وظيفة من لا وظيفة له، لذلك يرى الأستاذ علي بسام محمود (ماجستير في علوم الإدارة) بأن العملية التدريبية يجب أن تتم تحت إشراف كل من إدارة الموارد البشرية والمديرين المباشرين للموظفين في المؤسسة، إذ يقوم المديرون المباشرون بتحديد الاحتياجات التدريبية لأقسامهم، ومن هم الموظفون المرشحون لاتباع الدورة التدريبية، إضافة إلى تقديم الدعم الفني للمتدربين، بينما يتمثل دور إدارة الموارد البشرية على تنسيق العملية التدريبية. ‏
ويضيف محمود: ينبغي على العملية التدريبية أن تؤدي إلى حدوث تطور إيجابي في أداء الموظف الخاضع للتدريب، ما ينعكس إيجاباً على جودة السلع والخدمات وبالتالي زيادة رضى الزبون أو العميل حيال المؤسسة ومنتجاتها، حيث تساهم هذه الدورة في تحقيق نمو المنظمة واستمراريتها على المدى الطويل الأجل، ونتيجة لما سبق يجب على المنظمات اعتبار الموظفين على أنهم الأصل الأهم في العملية الإنتاجية، وأن العملية التدريبية ليست تكاليف تتحملها المنظمة فحسب بل هي استثمار في أهم أصول المؤسسة. ‏

هيئة تنظيمية وطنية ‏
إن أكثر ما تطلبه قيادة التنمية الإدارية وعملية التدريب والتطوير حالياً حسبما يرى البعض هو وجود هيئة تنظيمية وطنية تعنى بالتدريب والتأهيل للنهوض بقدرات وإمكانات العاملين في كلا القطاعين الخاص والعام، إضافة وجود فرق عمل في كل مؤسسة على حدة تُعنى بتطوير وتحديد وتقييم البرامج التدريبية فيها، فلا يتم التعامل مع التنمية البشرية على أنها نشاط إضافي يدرج ضمن ما يدرج في برامج الوزارات وفعالياتها، وبالطبع صياغة قانون ينظم عملية وممارسة التدريب في هيئة سورية. ‏

هيئة التدريب والعمل ‏
وهي إحدى هيئات التدريب التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتتلخص مهمتها بتدريب الأفراد وتأهيلهم في اختصاص معين ومن ثم إيجاد فرصة عمل لهم، إذ تتعاقد الهيئة مع القطاع الخاص لتأمين العمالة اللازمة. ‏
أما برامج الهيئة فهي: برنامج تأهيل رواد الأعمال وبرنامج تدريب جهات وسيطة وبرنامج التدريب من أجل التشغيل المضمون وهذا الأخير يعد من أهم برامج التدريب إذ يعد هذا البرنامج شراكة اقتصادية بين الهيئة وشركات القطاع الخاص لتأمين فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل الذين لا يملكون القدرة على تحمل مخاطر إقامة مشروعات فردية، وذلك عن طريق تدريبهم وفق احتياجات سوق العمل وتشغيلهم في القطاع الخاص. ‏


فراس العلي

المصدر: تشرين

التعليقات

نحن نتفق مع ما ورد في هذا المقال ونؤكد ان اهل مكة ادرى بشعابها ولكن حتى الان أهل مكة لا يعرفون ماذا يحتاجون لذلك علينا تغيير نظام العمل وايجاد طرق ووسائل لتحديد الاحتياجات التدريبية ولكن بعد ان يعرف الموظف والمسؤول ما له وما عليه.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...