الفيلم السوري (لكل ليلاه ) الحب في ثلاثة وجوه
بعد فترة تمهيد إعلامية دسمة وحملة ترويج استثنائية عرضت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مؤخرا في دار الأسد فيلم (لكل ليلاه) تأليف ديانا فارس وإخراج سهير سرميني مديرة القناة الأولى في التلفزيون السوري ..
ينطلق الفيلم بمشهد بانورامي من ساحة الشهبندر مع صوت نقاش بين بنات ثلاث يختلط مع صوت السيارات في الشوارع، بعد هذا المشهد الاستهلالي ندخل بتفاصيل الشخصيات في الفيلم:
في المحور الأول نتعرف على ندى (الفنانة رندة) مرعشلي سابقا موظفة في شركة إعلان ودعاية وتصميم بطاقات ..تعيش مع والدها (سليم صبري) لوحدهما، الوالد يهتم بابنته اهتماما استثنائيا لدرجة المرض، فبعد وفاة زوجته أصبحت ابنته محور حياته كما أن ندى تبادل والدها الاهتمام فهي لا تغيب عن البيت إلا نادرا وترعاه كطفل..
في المحور الثاني نرى هاديا (أناهيد فياض): محجبة ومخطوبة لديها فهم تقليدي للحب، الذي يعني الإعجاب والخطبة مباشرة بدون فواصل عشق..
في المحور الثالث نتعرف على رنا (جيهان عبد العظيم) لدى رنا قناعات مختلفة في الحب، فهي تعتقد أنها يجب أن تعذب الشاب وتجعله يلاحقها، أي استخدام الشد والرخي معه ولا مانع من الإعجاب بشاب آخر بنفس الوقت ليكون (سبير) احتياط، لذلك هي في حالة انشغال دائم بالمواعيد والشجار مع الشباب كما أنها على خلاف مع صديقتيها حول مفهوم الحب والزواج..
رنا حسب مجريات الفيلم فيما بعد ابنة عائلة مفككة اسريا فالأم تهتم بنفسها فقط فهي دائمة الغياب عن البيت ومنشغلة بعلاقاتها الاجتماعية، فيما الأخ منشغل بموسيقاه ومراهقاته حيث يلاحق خادمة البيت بشكل دائم ويصطدم مع أخته باستمرار ..
البنات الثلاث تعارفوا في نادي للرشاقة وجمع بينهم هموم الحب وتجلياته وكل منهن لديها مفهوم مختلف عن الحب ناتج عن البيئة الاجتماعية والعادات الخاصة بكل أسرة من أسرهن، رغم تقارب الوضع المادي إلى حد ما، فمن خلال البيوت واللباس والاهتمامات نرى أن البنات ينتمين إلى الطبقة الوسطى مع اختلاف لصالح رنا التي يظهر من تفاصيل حياتها أنها من عائلة ثرية...
في نصف الساعة الأولى من الفيلم نرى سيرا أفقيا للأحداث وفرشا للشخصيات للتعرف عليهم دون أي حدث يغير في المسار الدرامي للفيلم.. فنحن ننتقل من البيوت إلى النادي إلى الشارع إلى العلاقة بين ندى ووالدها عبر مشاهد متتابعة دون أي انعطافة تحرك مسار الفيلم، لقطات طويلة بانورامية مع كاميرا بطيئة تمسح الشوارع وبعض مناطق دمشق ولقطات للمدينة من فوق تدخل في إطار التسويق السياحي وتزييف الصورة الحقيقية للحارات وحركة الناس ..
مع دخول عماد من خلال زيارته للشركة التي تعمل بها ندى لتصميم بطاقات من أجل حفلة زفاف أخته، تتصاعد الأحداث....عماد يقع في غرام (ندى) من أول نظرة وسرعان ما تبادله الإعجاب، وبعد فترة قصيرة من هذه العلاقة التي تبدو أنها قوية، يتسلل الملل إلى عماد فيتهرب من ندى مبررا هروبه منها بالعمل، مشاعر عمادة تجاه ندى ظهرت وكأنها ومضة عاطفية سرعان ما خبا توهجها كونه رجل حر لا يؤمن بالارتباطات والقيود...وكمبرر درامي لتحول ثاني في الأحداث تستخدم ندى موبايل رنا لتتصل بعماد وهن يتدربن في النادي كون موبايل ندى انتهى شحنه..
في المساء تتصل رنا من رقم عماد المخزن عندها لتتدعى أنها تتصل لتعرف لمن هذا الرقم !! هنا تنعطف الأحداث لتبدأ قصة حب جديدة بين رنا صديقة ندى وعماد العاشق السابق لها... ترى ندى صدفة عماد ورنا يخرجان من مكان عمله فتلحق بهما وعندما يخرجان من المطعم تواجههما وتعرف جواب السؤال الذي أرقها لمدة، لماذا تغير عماد معها وبردت مشاعره؟ وتنسحب..
أما هاديا فبعد مشاجرة مع خطيبها (وسيم الرحبي) بسبب ارتدائها للبنطال كونه شاب محافظ لا يؤمن بارتداء البنات للبنطال، تفسخ الخطبة وبعد مفاوضات وبعض التنازلات تعود هاديا لخطيبها...
تعود الأحداث بعد ذلك لمسارها العادي حيث تتابع ندى حياتها ونراها مع هاديا الحامل تتمشيان في الشارع وفي سيارة ندى الخاصة ...وفي مشهد ختامي شبيه جدا بمشهد بداية العلاقة بين عماد وندى (تخرج من محل الكوافيير يراها عماد ويقول لها أنه انفصل عن رنا فتقول له لا تزعل ما في مشكلة، يبدي إعجابه بشعرها فتشكره وتمضي في طريقها ..
على صعيد الفكرة لم يأت فيلم لكل ليلاه بجديد فموضوع الحب كما عالجه الفيلم والفهم المختلف له رأيناه بعشرات الأفلام (البنت اللعوب والبنت التي تؤمن بالزواج فقط...وحتى مشاهد ملاحقة أخ رنا للخادمة) رأينا مثلها آلاف المشاهد في السينما وخاصة المصرية، كما أن شخصيات الفيلم عموما غير عميقة أو غنية وهي شخصيات نمطية أفقية مرسومة على عجل فيما لغة الحوار عادية فقيرة لا تعكس دواخل الشخصيات وبيئاتها...
عادية النص وفقره الدرامي والإنساني انعكس في الإخراج فالمخرجة حاولت التعويض عن فقر الورق بلقطات بانورامية عامة لا تمت إلى الحدث والشخصيات بصلة إنما بهدف استعراضي غير موفق، كلقطات الشوارع وتداخل اللقطات أثناء المحادثات الهاتفية بين عماد وندى إضافة لحركة الممثلين في بعض المشاهد، فأحيانا ينتفض الممثل ويغضب دون مقدمات منطقية لغضبه هذا غير فقر الكادر إن كان في المشاهد الداخلية أو الخارجية إضافة لحركة كاميرا غير مدروسة فشلت في التقاط المشاعر وردات فعل الممثلين...(مشهد بكاء ندى) ظهر وكأنه تمثيل فعلا...
كل ذلك أدى ليكون أداء الممثلين انفعاليا مرتجلا لم يقترب أبدا من الأداء العفوي باستثناء أداء جيهان الذي كان متناغما مع شخصيتها (الدلوعة اللعوب) والتي أدتها في أكثر من عمل، وهذا يدل على كسل المخرجة في دفع الممثل لإخراج مكنوناته لتجسيد الدور بإقناع وعفوية...
لكل ليلاه فيلم عادي يضاف إلى عشرات الساعات الدرامية التي أنتجها التلفزيون سابقا وفشلت فشلا ذريعا ..
إن أي حلقة من حلقات مسلسل أهل الغرام للمخرج المبدع الليث حجو تتفوق فنيا وفكريا مرات عديدة على هكذا فيلم مدعوم ماديا ومعنويا ولوجستيا !! رغم ظلم المقارنة بين الليث وبعض المخرجين ؟!! كما أن مسلسل سيرة الحب للكاتبين لبنى حداد ويزن أتاسي والمخرج عمار رضوان عالج جوانب مختلفة من الحب بعمق وغنى وخفة دم قليلا ما نراها في الأعمال الأخرى.
أحمد الخليل
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد