المذهب التذوقي في الأدب

14-06-2006

المذهب التذوقي في الأدب

ان كتابة قواعد <للغياب> عن النص الأدبي قد تكون وسيلة لاعادة النص الذي هو بالأساس غير موجود، لذلك فإن صناعة الأدب، وان كانت تتم داخل اللغة، فهي في خارجها لأنها صناعة متنقلة بين الموجود وغير الموجود.
الأهم هنا يتعلق بكيفية إحداث التجديد في المبنى لأن المعنى تتداوله الطبيعة وتلتقي حوله عقول الناس وعواطفهم لتنشأ عملية في المسار التأليفي من اللاصورة الى الصورة؛ من اللاشيء الى الشيء. وهذا ما قد يسمونه الابداع داخل مراتب التعبير كافة.
ان كل عمل يمكن ان يكون جديدا ان كان نقديا. ذلك لأن النقد هو الطريقة التي يعبر بها العقل عن نفسه لتمحّي الفواصل بين مراتب الأحاسيس: شعور هنا وتمييز هناك. لأن قضية الابداع تمثل في التقاط الفواصل بين ذوات الأشياء ليندرج السؤال حول الاضطراب الكبير الذي يشبه الفوضى الأولى التي طلع منها الكون.
هل صحيح ان اليوم السابع بعد الفوضى العظيمة داخل تقاطع غير المتقاطعات، هو اليوم الذي يخرج فيه النص الى حيز التكوين؟ ما هو النص الأدبي؟
الاجابة أنه ليس هنالك نص نموذجي بل نصوص خارجة على القوانين. وهي بقدر ما تكون على ذلك تأخذ شرعية من المستحيل. لأن النص عبث في المستحيل. من الفوضى إذاً الى العبث الى التكوين، حركة في البناء الذي يظهر كأنه مرتب وان كان خارج الترتيب.
فلا يحتمل الابداع احاطة به لأنه بحد ذاته اغتراب عن النص وان كان نصا جديدا لأنه بحد ذاته ايضا اعادة تكوين للاشياء وان كانت قد نجمت عن تناثر الاشياء.
في هذا التناثر اين تقع الصورة؟ أين هو الايقاع؟ أين هو الاختراق الجديد؟ ان التفكير في كل هذه الاسئلة يؤول الى سؤال حول النظرية التي ينتج عنها الأدب.
نظرية الأدب قائمة من الأدب ذاته. لذلك فهي متعددة. للعالم نظرية ولكن لا نظرية للأدب. بعضهم يريد ان يضع له قواعد. الا أنه خروج عن القواعد. لا يقوم بدونها انما يقوم باستمرار على حسابها.
ان المعرفة التي تؤسس لنشوء النص الأدبي هي عملية تناسق مع الابداع وهو تفوق في الشكل عن المضمون. فعلاقة الدال بالمدلول ليست علاقة شكلية اعتيادية. انها اختزال للمسافة التي تفصل بين التلقي والحصول عليه. المهم في كامل العملية هذه هو الطريقة التي تحصل فيها الأشياء. تماما في طرائق التصوف. يحصل الاتصال بالذات الأدبية كما يحصل الاتصال بين الباعث والمبعوث. فتتساوى الموضوعة مع الواضع. ويغيب الاختلاف داخل الحالة الجديدة في اللغة الجديدة. ان النص إذاً حالة في اللغة. من يقدر على استعمالها يصبح قادرا على الانتاج داخلها.
تلي العملية هذه القراءة لها. ذلك لأن قارئ النص يساهم في انتاجه. النص الأدبي واحد. أما قراءاته فمتعددة. انما من يكتب وحده مرة يكتب بعدد من يقرأ له. لذلك فإنه بتعدد القراءات تتعدد الكتابات. الكتابة ليست ابدا كتابة واحدة. ولأن القراء كثر يكون النص كثيرا يأخذه الناس كما يريدون هم وليس كما يريد واضعه.
عند اتصال اللغة بما تريد ان تعبر عنه فتشير اليه اشارات جديدة، عندها تصبح لغة اخرى، لغة خاصة بمن يكتبها.

 

مروان فارس

المصدر : السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...