المسرح السوري على طاولة التشريح والنقد

08-12-2010

المسرح السوري على طاولة التشريح والنقد

فرص الانفراج على طريق مسرح سوري معافى وفاعل في طريقها إلى الانحسار في ذات الوقت الذي تبدو فيه أزمة أو أزمات هذا المسرح العريق أنها تجد طريقاً يكاد يكون معبداً للمضي قدماً في التضخم- والأسباب كثيرة ومتشابكة- إلا إذا كان للسيد وزير الثقافة د. رياض عصمت رأي آخر وهو القادم من المسرح وقد عايش مشكلاته عن كثب ويعرف كل المعوقات وبالتالي إن كان ثمة أمل عايشه المسرحيون السوريون مؤخراً فإنه يتأتى من هذا الباب، باب المؤسسة الرسمية التي طالما كانت بصورة أو بأخرى سبباً في انكسارات المسرحيين مثلما كانت سبباً في فتح نوافذ مبشرة لكن سرعان ما تجد مصدات هنا وهناك.. «المسرح السوري من النص إلى المنصة.. أزمة أم انفراج» عنوان ندوة أقامها مهرجان دمشق المسرحي مؤخراً بمشاركة مسرحيين أخلصوا للمسرح وأعطوه الكثير، عصارة فكر وعمل، وعلى مدى عقود شغلتهم هواجس وتطلعات، طموحات وانكسارات في هم واهتمام ينصب على عنوان واحد في تنويعات مختلفة.. نحو تقاليد مسرحية راسخة تحفظ لهذا الفن هيبة وحضوراً ومكانة لائقة..


موصللي: التبرير.. و«النبت الديمقراطي»حمدي موصللي

د. حمدي موصللي يرى أن المسرح اختلق أزمات احتضاره التي تكمن في صور متعددة على صعيد النص والعرض والممثل والمكان والتقنيات والمادة والمؤسسة المشرفة- السلطة- الدولة.. والمتغيرات في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إقليمياً وعربياً وعالمياً.. الخ لافتاً إلى أنه ومنذ البداية أثار «المسرح القومي» أزمة النص المحلي كتبرير من أجل تسهيل أمر النص المترجم، مشدداً على أن المسرح القومي وحتى تاريخه لم يستطع أن يؤسس لقاعدة جماهيرية عريضة، اللهم- يعقب موصللي- إلا في العديد من العروض التي خرج بها أصلاً عن الخط الأساسي الذي تبناه وسار عليه.. ويرى موصللي أن المسرح السوري لا يمكنه أن ينمو ويتطور خارج المؤسسة وهو مرة أخرى يموت بموتها ولكي يزدهر لابد له من «نبت ديمقراطي» أو «مناخ ليبرالي» على الأقل حتى يتمكن من تأدية دوره.. وهذا برأي موصللي لم يتوافر بعد.


قلعه جي: الأسماء المكرسة.. ومسرح الرفات

بدوره عبد الفتاح قلعه جي أراد أن ينتصر للنص المسرحي «بعد سنين لن يذكر التاريخ ذلك الركام من العروض التي قدمت والخالية من شروط النص في خلوده...» معتبراً أن واحداً من أكبر الأخطار على المسرح عبد الفتاح قلعجيأن تهيمن عليه فئات أو أسماء أو موضوعات معينة ينغلق عليها المسرح بحيث تتوارث هذه الأسماء والموضوعات كأيقونات مقدسة بامتيازات خاصة ويتم الحفاظ على الوضع القائم لأنه يطيل أمد هذه الامتيازات وبالتالي تقف في وجه فتح أي اضبارة مسرحية جديدة.. وهكذا- يتابع قلعه جي- فإننا حين نفتح ملف المسرح فإننا لا نتجاوز اسماً أو اسمين كسعد الله ونوس وممدوح عدوان وتبقى على طاولة المسرح أسماء ودعاوى وقضايا مهملة تماماً، متسائلاً: هل المعهد المسرحي يعتمد في التدريس التعددية في الأسماء أم يقتصر عليهما كأيقونات مسرحية؟!! داعياً إلى توليد فكر مسرحي ونقدي جديد وعادل وتعددي يغطي جميع مساحات المسرح وفضاءاته، غامزاً في الوقت ذاته من قناة المخرجين وتهويمات فكر ما بعد الحداثة «إنه عصر أفول الأسماء والقيم الكبرى الراسخة وحلول ركام من الأسماء والموضوعات الصغيرة الطيارة» مشيراً إلى مشكلات كثيرة بينها أن «الشكلانية المفرطة احتلت مكان الكلمة والمضمون» لافتاً إلى أن «نصوصاً كثيرة تعرضت للتمزيق والانتهاك وتحويلها إلى رفات بعد أن عجز المخرج عن مجاراتها.. حتى عرف لدينا ما يمكن أن نصطلح على تسميته مسرح الرفات».
وفي ختام مداخلته يشدد قلعه جي على ضرورة «إعادة الاعتبار إلى المؤلف المسرحي بعد أن أصبحنا أمهر الناس في التنكر لكتابنا ونتاجاتهم».


بلبل: التمهيد بالقتل والصورة الكسيحة

فرحان بلبل أشاد بمسرح الهواة الذي قامت به الفرق الأهلية «كان أكثر جرأة على التفرحان بلبلصدي لمشكلات الأمة وقضاياها» وعندما أقامت وزارة الثقافة مهرجاناً خاصاً بهذا المسرح (دورته الأولى 1971) إذ بهؤلاء الهواة- يعقب بلبل- يقلبون المفاهيم الفكرية والفنية «للمسرح الرسمي» فما كان من وزارة الثقافة إلا أن نقلته إلى حلب بعد أربع دورات «تمهيداً لقتله» على حد تعبير بلبل ذلك أنها اعتبرت مسرح الهواة «عدواً للمسرح الرسمي» أما مسرح الهواة اليوم فهو «عاجز عن إكمال حركة المسرح السوري لكون الهواة لا يملكون ذخيرة أو معرفة بمتطلبات المسرح» أما تنشيطه رسمياً باستحداث «مهرجان الشباب» فيعده بلبل خطوة «عديمة الفائدة» إذ أفرز ورشات عمل أنتجت «أساتذة جاهلين» الأمر الذي أدى إلى «تراجع المسرح تراجعاً مريعاً في المحافظات» فكانت النتيجة تحول المسرح السوري «من الشموخ إلى الصورة الكسيحة».
ويختتم بلبل مداخلته بالتشديد على أن «المسرح الرسمي عاجز عن خلق حركة مسرحية ناشطة وقادرة على استعادة الجمهور لأن مخرجيه لا يفكرون بالجمهور بل بإبراز عضلاتهم الإخراجية..» داعياً إلى رفع سيف الرقابة عن مسرح الهواة، معتبراً أنها «رقابة غبية» تلك التي يمارسها «قاصرو الوعي السياسي والإنساني..».


جوان جان: العصي بين العجلات

جوان جان تحدث عن «المهرجانات المسرحية في سورية» مشيراً إلى أن العروض جوان جانالسورية المقدمة في الدورات الثلاث الأخيرة من مهرجان دمشق المسرحي وفي هذه الدورة لم تخل من الشوائب لا بل- يضيف جان- إن العديد من الأعمال التي مثلت سورية كانت بحاجة إلى إعادة نظر جذرية فيها، داعياً إلى مكافأة المسرحيين الشباب كي يشعروا أن جهودهم لا تذهب هباء وأن هناك من يقف إلى جانبهم ولا يضع العصي بين عجلات عرباتهم، لافتاً- فيما يتعلق بمهرجان الأطفال- إلى أهمية التأكيد على المستوى الفني والتربوي لهذه العروض التي قد لا يعير بعضها الاهتمام لهذه النواحي بقدر اهتمامه بجذب أكبر عدد ممكن من جمهور الأطفال بشتى الوسائل والأساليب التي قد لا يكون بعضها مناسباً، مشيراً إلى أن إلغاء جوائز مهرجان المسرح العمالي «أمر سيكون له أثر سلبي على مستوى العروض».
ويؤكد جان في ختام مداخلته أن نجاح المهرجانات واستمرارها وتألقها هو إحساسها بوجود من يرعاها ويأخذ بيدها، مشيراً إلى أهمية «قوننة أي شكل من أشكال الدعم كي لا يكون عرضة للتفسيرات المختلفة والأمزجة المتقلبة».

 

علي الحسن

المصدر: صحيفة الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...