برنامج تدريب لمغنّي أوبرا سوريين: أوبرا للتصدير أم للجماهير؟
رغم تخرج عدد كبير من الموسيقيين في السنوات الخمس عشرة الأخيرة من المعهد العالي للموسيقا بدمشق، ومن بينهم مغنو أوبرا سجلوا حضوراً محلياً، وكوفئوا بجوائز عالمية مرموقة، لم تشهد دمشق خلال هذه الفترة سوى عملين أوبراليين اثنين، الأول منذ حوالى اثني عشر عاماً، وهو بعنوان »ديدو وإنياس« وكان في معظمه بمساهمة أجنبية، والعمل الثاني قدم منذ أشهر تحت عنوان »تراجيديا كارمن«، وقدم على أنه العمل الأوبرالي الأول الذي صنع بأيد سورية خالصة. ليست الأوبرا نقصاً فادحاً في حياة السوريين، إذا عرفنا أن المسرح وباقي فنون العرض ناقصة أيضاً، ولكن »الأمانة السورية للتنمية«، الجانب المختص بالثقافة والتراث منها، وهي منظمة غير حكومية، تجد أن من واجبها دعم المسار المهني للفنانين الموهوبين، مع التركيز على مواهب في نوع إبداعي محدد طوال عام كامل، حسب مديرة المشروع ندى عثمان. خلال هذه السنة التي بدأت منذ شباط الماضي، جرى التركيز خلالها على مغني الأوبرا في سوريا، وقد أقيمت ورشات عمل في مجال تكنيك الصوت، والريبتوار الإيطالي، والألماني، ودورات خاصة بلغة الأوبرا (الإيطالية). مغنو الأوبرا الأربعة، لبانة قنطار ورشا رزق (سوبرانو)، وبيير خوري وسعيد خوري (باريتون)، اختيروا من بين اثني عشر مغنياً، هم كل المغنين في سوريا، بعد زيارة للمدير الفني لأوبرا برلين، ومدير مهرجان توشا الإيطالي. آخر هذه الورشات اختتم منذ أيام، وكان في مجال الأداء المسرحي الأوبرالي، أشرف عليه الخبير الألماني مانفرد غوت.
تتركز التدريبات انطلاقاً من فكرة أن »المغني يحتاج إلى تطوير طاقاته الإبداعية عن طريق مواجهة الجمهور واكتشاف أعمال جديدة والتعامل الحي والمباشر مع الخشبة المسرحية: المغني هو ممثل أيضاً وعليه معرفة التعامل مع جسده ومع الفراغ المسرحي ومع النص الأدبي أو الشعري المغنى، ومع الشروط التقنية لهذا الشكل الفني المتكامل من رؤية إخراجية ومكان للعرض وتقبل الجمهور«.
برنامج دعم مغني الأوبرا حصد أول نجاح دولي هذا الصيف إثر اختيار لبانة قنطار للمشاركة في دور ملكة الليل في أوبرا الناي السحري في مهرجان توشا الإيطالي، كنتيجة لمشاركتها في إحدى ورشات العمل التي أدارها الخبير الإيطالي ستيفانو فينياتي، مدير مهرجان توشا.
المدير الفني للمشروع نبيل أسود قال لـ»السفير«: »المشروع ضروري لأنه سلط الضوء على ما ينقصنا في مجال الغناء الأوبرالي. لدينا أصوات جميلة وخامات، ولكن المغني هو ممثل ومؤدٍ أيضاً ينبغي أن يكون لديه الخبرة على التعامل مع الخشبة والفراغ، وتحليل النص وفهم السياق«. وعن إمكانية رواج جماهيري لهذا الفن في بلادنا قال أسود: »الأوبرا في سوريا فن جديد، ولكن المسرح والسينما والتصوير فنون جديدة أيضاً. ومن معيقات جماهيرية فن كهذا في بلادنا أن الأوبرا فن معقد ومنمط، وله قواعد الأساس فيها أن المغني يؤدي دوره غناء لا تمثيلاً، وعليك أن توافق على هذا الشرط، ولا شك في أن جعل الجمهور يفهم هذا التنميط يحتاج إلى عملية معقدة أيضاً«.
- المغنية لبانة قنطار علقت على ورشة العمل الأخيرة بالقول: »الفائدة الكبرى كانت في أننا وُضعنا أمام حقيقة أن أشياء كثيرة تنقصنا بما يخص الشخصية الكاملة، وما ينبغي أن يتمتع به مغني الأوبرا«. ولفتت إلى أن: »قسم الغناء في المعهد العالي للموسيقا تأسس منذ ما لا يقل عن أربعة عشر عاماً وحتى الآن لا أعرف لماذا ليست هناك إمكانية لوجود قسم تمثيل في المعهد«. وتضيف قنطار: »لا أعرف لماذا كل شيء ناقص لدينا، نعمل دار أوبرا ونأمل أن تحل مشاكل كثيرة، ولكنها في النتيجة لا تفعل سوى أنها تملأ أيام السنة، كأن الهدف هو الكم لا النوع. لا شك في أننا بميزانية عشر حفلات من تلك يمكن أن نعمل أوبرا لمرة واحدة في العام، وهذا ليس كثيراً علينا، ولا معجزة«. وفي ما إذا كان اختيار المغنين الأربعة من بين زملائهم الاثني عشر يعطيهم درجة بين زملائهم قالت قنطار: »بالتأكيد هذا يعطيهم درجة وترتيباً، خصوصاً أن الاختيار جاء من الأوروبيين، أصحاب هذا الفن، لا على مقاييسنا نحن«.
يذكر أن ورشات التدريب ستختتم في شباط القادم، ومن المتوقع أن تنتهي بعمل أوبرالي سيكون غالباً من أعمال موزارت، وسيعرض في دمشق ومحافظات سورية أخرى، وربما في بيروت وعمان. أما مشروع »الأمانة السورية للتنمية« للعام القادم فسيكون في مجال المسرح والرقص المعاصر، مع إنتاج كبير سوري فرنسي مشترك، قد يكون بعنوان »الظاهر بيبرس«.
لكن، رغم الجهد الاستثنائي الذي يبذل في مجال تدريب الأوبراليين السوريين، ورغم العرض الذي سيختتم به التدريب، لا بد من التساؤل حول مصير هؤلاء المغنين، خصوصاً أن البرنامج يسعى إلى استقطاب وكلاء عالميين لتسويقهم في الخارج، فهل المقصود أن ننعش فن الأوبرا محلياً، أم أن نأخذ مغنينا إلى الخارج؟
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد