تداعيات إغراق السوق المحلية بالألبسة الصينية
تلقى الألبسة الصينية لدى المستهلك السوري رواجاً كبيراً بسبب رخصها وطرحها طيفاً واسعاً من السلع الاستهلاكية، ويرى التجار والمستوردون أنه إذا استمر الاستيراد بهذه الكميات سيتوقف السوق الداخلي عن الإنتاج.
في حين يرى الصناعيون أن التجار أغرقوا السوق بالبضائع الرديئة وخربوا بيوت عائلات تعتاش من وراء هذه الصناعة منوهين الى الشراكة الخفية بين المسؤول الجمركي والمستورد والمخلص، أما الأكاديميون فيطلبون من الصناعي السوري البحث عن بدائل يتميز بها وتحقق قيماً مضافة عالية.
يقول هيثم الحلبي عضو غرفة الصناعة: إن التجار أغرقوا السوق بالبضائع الصينية الرديئة (الستوك) أملاً بتحقيق أرباح خيالية وساهموا بخراب بيوت عائلات تعتاش من وراء صناعة النسيج والألبسة الجاهزة فـ30% من حجم العمالة السورية تعمل بهذا القطاع والمستهلك اليوم يبحث عن السعر بغض النظر عن الجودة، والقطعة الصينية تُباع بـ3دولارات ولا يمكن لمنتج وطني منافسة هذا السعر كما أن التجار برعوا بالتحايل على القانون من خلال التلاعب بشهادة المنشأ على أساس أنها بضائع عربية ليتهربوا من الرسوم الجمركية.
معتبراً أن الحكومة لم تقصر في وضع سياسات وشروط للاستيراد فقد فرضت 50% رسوماً جمركية من قيمة الفواتير على المستوردين إلا أن المستورد يقدم فواتير وهمية فإذا كانت قيمة الفواتير /10/ آلاف دولار تقدم بـ/3/آلاف دولار والقضية برأيه قضية ضمير، وعلى الجمارك أن تضبط البضائع ذات المنشأ الآسيوي بدلاً من التلاعب المفضوح وأن يكون الاستيراد ضمن شروط المنافسة، بدلاً من شراء مخلفات الدول الآسيوية والشراكة الخفية بين المسؤول الجمركي والمستورد والمخلص.
مؤكداً أن المنتج السوري قطعاً أفضل من المنتج الصيني، غير أن الصين تقدم تشجيعاً للتصدير بحدود 10% وأغلب الأحيان يكون فارق السعر بين المنتج الوطني والصيني هذه الـ10%، كما أن الحكومة الصينية والتركية تقدمان دعماً مالياً للشركات أثناء مشاركتها بمعارض خارجية وهي عصب التسويق على حدّ قوله.
متمنياً أن يكون في سورية صندوق مالي خاص لدعم الصادرات والتصدير ودعم المعارض.
ولا يرى الحلبي أن اليد العاملة السورية رخيصة، كما يعتقد البعض، حيث إن متوسط أجر العامل الجيد من 15 ـ 20 ألف ل.س وإنتاجيته منخفضة مقارنة مع العامل الآسيوي الذي يتقاضى 150 دولاراً في الشهر.
وأشار الى أن الصناعي السوري محروم من القيمة المضافة للألبسة القطنية عن طريق تصدير الغزول للخارج حيث تصدر الى مصر وتستخدم في صناعة المناشف وتقارع المنتج السوري عن طريق عقود خارجية، ففي الوقت الذي تستفيد فيه مصر من القيمة المضافة تُحرم منها سورية التي تنتج المادة الأولية.
وأضاف: إن هناك نقصاً بالغزول الممشطة في الأسواق السورية حيث أصبحت تُباع بالسوق السوداء بين 8 ـ 10ل.س للكيلوغرام، وتُحرم منها المصانع السورية، طالباً أن تكون الأولوية للمصنع السوري من حيث الاستفادة من الغزول لإنتاج القطعة الجاهزة بما يحقق كامل الكسب من القيمة المضافة.
في حين يرى غسان قلاع عضو غرفة التجارة أن كل بضاعة مهما كان مصدرها وتحمل المواصفة الجيدة والسعر المناسب تشكل منعكسات على المنتج المحلي أقلّها التأثير على المنتجات التي لاتحمل مزايا تنافسية وبالتالي سيؤول الموضوع الى وقف الإنتاج إن لم يتمكن المنتج من المتابعة.
موضحاً أنه كان يجب أن تجري دراسة مقارنة بموجب قائمة تكلفة نموذجية تُدرس بموجبها عناصر التكلفة في بلدنا وفي دول مجاورة أو منافسة ثم تستدرك بقرارات حاسمة تخفيض عناصر التكلفة العالية لتتوازن مع غيرها في الدول المنافسة وأن نسب الرسوم الجمركية المفروضة على المستوردات هي عنصر من عناصر حماية المنتج الوطني وليست كل شيء.
ولا يلوم القلاع المستهلك لإقباله على شراء المنتج الصيني إذا كان أكثر جودة وأرخص ثمناً، لكن عقدة المستورد تسيطر على أفكار كثير من الناس ويعتبرونها مباهاة في حيازة السلعة المستوردة.
يبدو أن الإقبال على السلع الصينية من قبل المستهلك ليست عقدة المستورد كما يدّعي الصناعيون، بل المستهلك السوري واع ويعرف ماذا يريد: المنتج الأرخص بالسعر الأنسب.
يقول خلدون هيلمية تاجر في سوق الحميدية وموزع جملة لبضائع صينية: إن المنتجات الصينية أثّرت تأثيراً سلبياً في المنتجات الوطنية بسبب عزوف المستهلكين عن شرائها والإقبال على المنتج الصيني الأميز من حيث السعر والطلب والتنوع في الألوان متوقعاً أن يتوقف السوق الداخلي عن الإنتاج إذا استمر الاستيراد بهذه الكميات لاسيما أن هناك إقبالاً كبيراً من المستهلكين على المنتج الصيني ومن الشرائح كلها.
وأمام إحدى البسطات التي تعرض كل ما يخطر على البال من منتجات صينية (ألعاب، ملابس، أحذية..) تقول إحدى السيدات: أستطيع أن أشتري لأولادي الثلاثة أحذية بـ/1000/ل.س ولو فكرت بشراء صناعة سورية سأحتاج الى /3000/ل.س وترى أن البضائع الصينية ليست بالرديئة والمنتج الوطني ليس بالأفضل من حيث الجودة، لكن التجار احتكروا وتحكّموا لفترة طويلة بالسوق والمستهلك ولم يكن أمامنا خيار ثان كما أن الصيني يطرح طيفاً واسعاً من السلع الاستهلاكية لم نتعود وجودها في السوق السورية.
د.عماد الدين المصبح الأستاذ في كلية الاقتصاد يرى أننا نشكو لكننا لسنا الوحيدين فمشكلة البضائع الصينية ليست مع السوق السورية فقط بل مع كل دول العالم حيث تشعر بمنافسة وحتى في الولايات المتحدة الأميركية فهناك توجه نحو المنتج الصيني.
ويضيف: إن الآثار الاقتصادية تتركز بعجز الميزان التجاري مع الصين والعالم كله، كما أن المصدر السوري لا يستطيع تصدير الكمية نفسها وبالمواصفات نفسها، وسورية كانت تصدّر لدول الخليج الكثير من المنتجات (كالعباءات والمصليات..)، الآن الصين تصدرها للخليج بكميات كبيرة وبأسعار منخفضة والمستهلك الخليجي يفضلها لرخصها.
أم أثرها على المنتج الوطني بحسب د.المصبح فإنها قد تؤدي لإغلاقات في قطاع الصناعة التحويلية.
منوهاً الى أن القطاع الصناعي كان يعمل برعاية الدولة وحمايتها، فكانت الرسوم الجمركية على السلع المستوردة عالية جداً، وهناك قائمة ممنوعات لمنع استيراد سلع معينة، بالتالي كان ثمة منتج محتكر غير مهتم بتحسين النوعية وتطوير نفسه وقدرته التنافسية وفجأة انفتح الاقتصاد السوري بشكل سريع فولدت جملة من التحديات.
وأوضح أنه في الحاضر والمستقبل ليس المطلوب من الدولة أن تساعد كثيراً لأننا مرتبطون بمعاهدات مناطق التجارة الحرة العربية واتفاقات تحرير التجارة ونحن مقبلون على محاولة الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وأنه حتى لو حاولت الدولة فرض رسوم جمركية على البضائع المستوردة لاسيما الصينية فإننا سندخل من الباب الخلفي، فبدلاً من أن تكون بكين دمشق ـ تدخل عن طريق بكين ـ دبي ـ دمشق، حيث يتم في دبي وضع لصاقات محفورة أو مطبوعة يكتب عليها صنع الإمارات لتستفيد من الإعفاءات.
وأشار الى أن المنتشآت الصغيرة في سورية ليس لديها فرص واسعة لتخفيض التكلفة وزيادة الربحية والقدرة على التنافس على عكس المنشآت الكبيرة، ففي الصين المؤسسة الصغيرة تشغل 500 عامل والمتوسطة 1500 عامل، أما في سورية فأكبر منشأة لا تشغل 1000 عامل، والمنشآت الصينية لديها قدرة على تحقيق أعلى درجات الربحية والإنتاج، والعامل الصيني يعمل بمثابرة قلّ نظيرها في العالم، والأجور منخفضة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الصين تدعم المنتج الصيني وتعطيه الحرية للدخول الى المناطق الحرة كـ هونغ كونغ وشنغهاي، وبرأيه ان المنتج السوري لا يستطيع أن يفعل شيئاً وهو عاجز عن الوقوف على قدميه لفترات طويلة أمام جملة التحديات.
واقترح د.المصبح أن تتجه الصناعة السورية لصناعات تتميز بها ولا تستطيع الصين المنافسة فيها كالقطن، حيث تمتلك ميزة نسبية في النوعية لكن لا نستثمرها وتستهدف هذه الصناعة شرائح عالية الدخل، كما أنها ذات قيمة مضافة عالية.
عندما نطلب من الصناعي تخفيف هامش الربح وتحسين الجودة، يرد بالقول: إن المنتج الوطني حتماً أفضل من الصيني وأكثر جودة¾ إلا أن أجور التكلفة واليد العاملة مرتفعة ولا نستطيع المنافسة مادامت الدولة لا تدعم ولا تقدم امتيازات وثمة آخرون يطالبون الحكومة بعدم تقديم أي امتيازات، إذ سقطت جدران حماية الحكومة التي تمثلت بقائمة ممنوعات ورسوم جمركية عالية على المستوردات احتكر المنتج الوطني على أساسها وتحكم بالسوق لفترة طويلة والمستهلك لا يعنيه لا هذا ولا ذاك بل همه الأول والأخير الحصول على سلعة رخيصة وتحقق مواصفات الجودة في ظل ظروف اقتصادية قاسية.
منال صافي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد