حزب «البعث» يستعد لـ«هجوم معاكس»
بدأ «حزب البعث» يحشد لمعركة الانتخابات الرئاسية، ليس فقط باعتبارها استحقاقاً دستورياً، بل لكونها «استحقاقاً وطنياً» رشح له بشكل طبيعي الرئيس بشار الأسد، الذي يشغل منصب الأمين القطري للحزب، وهو المنصب الأرفع في «البعث» على المستوى السوري.
ومنذ أيام، التقى الأسد كوادر وقيادات «البعث» في دمشق وريفها، وذلك كمقدمة للقاءات أخرى على المستوى ذاته من محافظات أخرى، ستجري تباعاً، وفقاً لما أكده مسؤول حزبي رفيع المستوى لـ«السفير».
وغابت عن اللقاء وسائل الإعلام، ما عدا التابعة للحزب، وهي هنا صحيفة «البعث» الناطقة باسمه، كما لم تنشر وسائل الإعلام الرسمية الخبر «إلا بعد إلحاح»، حيث مُرر خبر عن اللقاء في نشرة أخبار الحادية عشرة والنصف.
والسبب وفق ما يشرح المسؤول الحزبي، تمثل في ورود تعليمات تطلب «احترام الخطوط القائمة بين الإعلام الوطني (مقصود الإعلام التابع للحكومة) والإعلام الحزبي»، مشيرا إلى أن هذه التوجيهات رئاسية، وهي تتطابق مع الدستور الجديد، باعتبار الحزب خرج من موقعه «كقائد للدولة والمجتمع».
والعبارة الأخيرة، كما هو معلوم، كانت موقع الاشتباك الأساسي في الجدل السياسي بين الحكومة والمعارضة، قبل انكماش الجدل بالمطلق أمام سطوة السلاح.
وأزال الدستور الجديد، في شباط العام 2012، المادة الثامنة، وأقر بدلا منها، مادة أخرى شغلت التبويب المشابه، تنص على أن نظام الدولة يقوم «على التعددية السياسية بحيث تسهم الأحزاب السياسية المرخصة، والتجمعات الانتخابية، في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديموقراطية».
وهو أمر يستدعي «أمام الاستحقاقات المقبلة أن يثبت البعث نفسه باعتباره شاغل الحيز الأكبر، ليس في الدولة فحسب، بل في المجتمع أيضا».
ووفقا للمسؤول الحزبي، فإن الأسد طلب من كوادر الحزب أن يكونوا على قدر كبير من الجاهزية للمرحلة المقبلة، والتي هي كما بدا واضحا للمسؤولين الحزبيين والكوادر الحاضرة مرحلة «تعددية سياسية» سيضطر فيها «الحزب إلى خوض انتخابات، ولدفع مرشحيه للفوز في هذه الانتخابات»، وربما «يضطر للتحالف مع قوى أخرى تحمل رصيداً وطنياً قريباً من الرصيد البعثي».
ووفقاً للمصدر ذاته، فإنه خلافاً لحالة اختلال التوازن التي أصابت «البعث» في بداية الأزمة، ومن ثم حالة الغياب التي اتسم بها أداؤه في منتصفها، فإن الحزب الآن «يعد للهجوم المعاكس»، بما يملك من قوة يقول إنها «توازي قوة الجيش السوري على المستوى المجتمعي». ويفسر النقطة الأخيرة المثيرة بالقول إن الأحداث الأخيرة برهنت مجددا «أن هدف الأعداء في سوريا كان إسقاط تراث الحزب ومسيرته التي دامت 50 عاما، وتشتيت رؤيته حول الهوية الجامعة للعرب عموما، والتي تتجاوز كل الهويات الضيقة والأديان».
وكان الأسد قد شدد، خلال اللقاء، على «فكر الحزب العقائدي»، معتبراً إياه أحد أبرز «أسباب صموده». كما نوّه تنويهاً لافتاً للنظر على ما أسماه «صمود دمشق» باعتبارها «محور سوريا» ونموذج «الاعتدال الذي منع القوى المتطرفة من اختراقها تاريخيا».
ويرى القيادي في الحزب أن «محاولات إحياء الفكر السوري والتقوقع على الذات»، ردا على الهجمة السياسية العربية على دمشق، «فشلت، فما بالك بالهويات الأصغر»، وأن الحزب باعتباره حزباً حاكماً «سيعمل مجدداً على إحياء الفكر القومي العربي» وترويجه.
وسيسعى الحزب لتنفيذ هذه المهمة، في الأسابيع والأشهر المقبلة، «فالمعركة القائمة والمقبلة أيضا، تتميز بمشروعها السياسي، وهي تتويج لفشل إسقاط المنظومة القائمة حاليا»، والتي يقول إن أحد أهدافها كان «تغييب الحزب، لكي تظهر السلطة مجردة من شرعيتها السياسية وخلفيتها العقائدية»، لذا «سيستعيد الحزب قريبا نشاطه، ولا سيما قبل الانتخابات الرئاسية الصيف المقبل، حيث سيظهر الحزب مرة أخرى كرقم صعب، ليس فقط باعتباره حزبا حاكما، وإنما باعتباره شاغل الحيز الأكبر في تمثيل المجتمع».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد