حوّاء سيّدة الشاشة العربيّة ولكن...
باستثناء القطاع التعليمي، لا يتفوّق قطاع عربي آخر على الميديا التلفزيونية من حيث ارتفاع نسبة عمل المرأة. قبل إلغاء مذيعات الربط وبعدها تواكباً مع تطوّر إيقاع التلفزيون، لا تزال المرأة في العالم العربي تحتفظ بوجود مؤثر على الشاشة الصغيرة، لأسباب متفاوتة قد لا تصلح جميعها لتهنئتها في عيدها. التلفزيون العربي ـــــ معظمه ـــــ لا يزال يفضّل المرأة الأكثر جمالاً وسطحيّة في آن، والمرأة تظهر على الشاشة أساساً لأنّها تخدم جهازاً إعلامياً «منزلياً». والمنزل هو المكان المفضّل ـــــ عربياً ـــــ لوجود المرأة أمام الشاشة أو خلفها، والمقاييس الصارمة لعمليات التجميل تقدّم مذيعات بملامح يحددها اشتياق المشاهد الرجل إلى نماذج أجنبية، نماذج فنّية بالتأكيد لا إعلامية. المشاهد العربي يبحث في وجه «امرأة الشاشة» عن بريتني سبيرز لا عن أوبرا وينفري، والشاشة العربيّة تقدم ـــــ أو تحاول أن تقدّم ـــــ له ذلك. المرأة تظهر أمام الكاميرا مذيعةً أو محاورةً. قلّما تكون خلف الكاميرا مخرجةً أو رئيسة تحرير برنامج، باستثناء تلفزيونات حكومية عتيقة يزداد فيها عدد المخرجات أحياناً ويتساوى مع المخرجين، وإنما لأسباب بيروقراطية تتعلق بسياسات توظيف تنتمي إلى أزمنة شبه اشتراكية، وعلاقات تختلط فيها مقوّمات الميديا بتفضيلات رجال الأحزاب الحاكمة، فتستمر مذيعات بحكم إجادتهنّ التسلّق السياسي، ويبقين على الشاشة لسنوات أطول مما تحتمله مقاييسهنّ الشكلية. وعندما تقرر السلطات أن تمارس «التطوير» الإعلامي، تطيح إعلاميّات العقود البائدة لمصلحة مَن هنّ أكثر شباباً!
من السذاجة تصوّر أنّ مجتمعاً يمتلك سجلات مخجلة في مجال تمكين المرأة، يمكن له أن يصبح تقدمياً فجأة بصدد المرأة الإعلامية. وما الظهور الأخير لأوّل مذيعات منقّبات في تاريخ التلفزيون ـــــ قناة «الحافظ» الفضائية ـــــ إلا تصوير جديد لما يمكن أن يذهب إليه المجتمع العربي، فما الجدوى من فكرة «المشاهدة» إذا كنت غير قادر على «مشاهدة» المذيعة؟ وما الفارق إذاً هنا بين التلفزيون والراديو؟ أو بين غلق الصورة والاكتفاء بالصوت؟
إخفاء «امرأة الشاشة» هنا معادل يستوي في تطرّفه مع إخفاءات معاكسة، كالاستعانة بفتاة تقف بالساعات مردّدة أي هراء، في انتظار اتصال مشاهد سهران ليجيب عن سؤال مسابقة تافهة. لا يهمّ هنا أن تمتلك الفتاة أي مهارات إعلاميّة بل جسمانية، وهي تفتقر غالباً حتى إلى شيء من خفة الظل. أما عن «شخصيتها» فمن يريد أن يرى ذلك؟ في الواقع، هناك دعاية عن أحد المشروبات، تعتمد على السخرية من فكرة «شخصية» الفتاة، وتلصق تهمة نقص الرجولة بمن يبحث في الفتاة عن شخصيّتها.
ليس غريباً إذاً، وفي مواجهة أسئلة لم يحسمها المجتمع العربي بعد، ألا يضيف إنشاء قنوات خاصة بالمرأة جديداً إلى ذلك الملف. قناة المرأة العربية «هي» كانت الوحيدة التي أعلنت انشغالها بالمسألة اسماً وموضوعاً، لكنها لم تقدّم في برامجها ما يبرر إنشاء قناة كاملة بهذا الخصوص. إذ لملمت أفكار البرامج التقليدية المخصصة للمرأة في التلفزيونات العربية، وقدمتها مجمّعة في قناة واحدة، فضلاً عن أسلوب لتسمية البرامج ربما وجدته المحطة مناسباً لعالم المرأة، مثل «نجوم من غير هدوم» و«ع المكشوف» و«ملكات».
بعد أربع سنوات من إنشاء «هي»، تأسس ـــــ عام 2006 ـــــ تلفزيون «الآن». فهو وإن كان «محطة إخبارية وترفيهية»، إلا أنّه أبدى اهتماماً خاصاً ـــــ ومعلناً ـــــ بالمرأة وبرامجها، مع اهتمام بالصورة والتقارير الواقعية ثم اهتمام أخير ومحمود بمناهضة العنف ضد المرأة. إلا أن التلفزيون ما زال مخملياً يخاطب ـــــ غالباً ـــــ طبقة بورجوازية بالمعنى الاقتصادي والتعليمي أيضاً. هو بهذا نسخة أكثر «جودة» من المحاولات السابقة على مستوى القنوات أو البرامج، لكنه لا يختلف على مستوى الكيف، ولا شك في أنّ تأسيس قناة «الحرة» قد أربك المفاهيم بصدد تقديم مشكلات المرأة الحيوية، إذ وضعت النشطاء في سياق أكثر صعوبة من ذي قبل، هو الانجراف مع التدخل الأميركي الذي اتّخذ قضايا حقوق الإنسان ذريعة ومتكأً.
بالطبع، في ظل الجهود المذكورة، يبدو من عدم التكافؤ الحديث عن تجربة «الأسرة والطفل» الرسمية المصرية، وهي الأقدم في ذلك المجال (تأسست مع باقة النيل للقنوات المتخصصة 1998) وكانت تبثّ برامج للمرأة. يكفي لتقويم «نجاحها» أن تقرر تحويلها إلى «نايل كيدز» وفق «التطوير» الذي قام به التلفزيون المصري في بداية العام الجاري.
يبقى أنّ بعضهم كان يسخر عندما وصف موقع «يوتيوب» الشهير، بأنّه أصبح النافذة الإعلامية الأكثر صدقية، لكثير من الفتيات العربيات. لكنّ «المشاهد» التي تقدمها بعض تلك الفتيات على الموقع، قد لا تفعل سوى زيادة هستيريا الرقابة العربية!
محمد خير
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد