دريد لحّام: المعارضة تاريخ وثقافة وليست قتلا وخيانة
هو واحد من بين قلّة تستطيع خلق الابتسامة من رحم الدمعة. تفرَّد دريد لحام بأعماله في المسرح والتلفزيون والشاشة، فتحوّلت صورته إلى صنوٍ للفنون الأدائيّة السوريّة، في ذاكرة الجمهور العربيّ. الممثل القدير الذي أثار غضب السلطة في السبعينيات، بمسرحيّاته السياسيّة الشهيرة، ما انفكّ يثير الجدل خلال العامين الماضيين، بسبب موقفه «إلى جانب النظام»، خلال الأزمة الراهنة. في بعض الأحيان، تخطّى الأمر النقاش والموقف، ليصل حدّ تلقيّه «تهديدات بالقتل تصل بشكل شبه يومي، من داخل سوريا وخارجها»
لا يفكّر لحام بمواجهة كلّ تلك التهم والشائعات، إلا بــ«برأيي الوطني، وليس السياسي». يقول: «أنا مبدئي سوريا ولن أغيره مهما كانت الظروف. وعلى الفنان اتخاذ موقف مع سوريا، مع ناسها وثقافتها». يصف صمت معظم الفنانين السوريين اليوم، بـ«أهون الشرّين»، لكنّه يشير إلى أنّ البعض يصمتون «بسبب عدم الاكتراث».
يصف لحام نفسه بـ«المعارض الأول للسلطة في العالم العربي»، فهو ضدّ الفساد، وضدّ حجب الحريات، وضدّ انعدام الحراك الديموقراطي.. لكنّه يميز بين السلطة «والنظام بمعناه الدستوري لأنّ نقيضه الفوضى». نسأله لو وجد نفسه في مكان الرئيس السوري بشّار الأسد، ماذا كان ليفعل؟ يقول: «كنت بحثت عن الاختراقات داخل النظام وهي كثيرة، لكي أتجنب كلّ هذه المصائب، وكنت أفرجت عن السجناء السياسيين قبل بداية الأزمة، مع الحرص على الإيمان بالرأي الآخر، والسماح بوصول صوته، فليس كل من انتقد أخطاء السلطة من فساد ومحسوبيات يكره البلد أو لا يعمل لمصلحتها، بل العكس صحيح، هو أكثر من يبحث عن التغيير الايجابي».
ينتقد لحّام المعارضة أيضاً، «التي تتصرف على الطريقة الأميركية وفق مبدأ من ليس معنا فهو ضدّنا». برأيه، كان الحراك السوري في بداياته شعبياً حقيقياً، «لكن تمّت مصادرته وتسليحه من قوى خارجية فلم يعد ثورة. وسادت فيه عملية تغييب للفكر والعقل». وفي هذا السياق، يؤكّد لحام رفضه استبدال العلم السوري، بعلم آخر: «العلم ليس علم بشار الأسد هو علم سوريا، والنشيد ليس نشيد الرئيس بل نشيد الوطن». كما يرفض صاحب «الحدود» تسمية «الربيع العربي» أينما حلّ، بل يعتبره «صراعاً على الحكم»، وليس بحثاً عن مصلحة البلاد.
يستعدّ لحّام للموسم الدرامي المقبل، كاشفاً أنّه رفض نصّين حتى الآن. يقول إنّ خياراته باتت محكومة بمعايير أكثر صرامة، مع تراكم التجارب، لكنّه يرى أنّ الدراما السورية بخير، ونجحت في مواكبة التغيّرات في بلادها، من خلال عدة أعمال في الموسم الماضي. «ليس ضرورياً أن تتناول كلّ الأعمال الأزمة، لأنها حدث آني، ربما تحتاج سنوات لتحليلها. أمّا الأعمال الحالية التي تحاكيها، فهي من باب توثيق اللحظة، أكثر من إعطاء الموقف»، على حدّ قوله. يوضح: «لا تستطيع الدراما أن «تشيل الزير من البير»، بل هي تزرع فكرة ما في وجدان المشاهد، قد تثمر وقد لا تثمر». للمفارقة، فإنّ الفنان الذي اختبر تضييق السلطة منذ مشاركته في تأسيس فرقة «مسرح الشوك» مع عمر حجو ورفيق السبيعي وآخرين أواخر الستينيات، يرى أنّ الدراما في بلاده تتمتّع سقف حريّة عالٍ جداً، قياساً بالدول العربيّة الأخرى «التي تشارك في ذبح سوريا».
لا يندم دريد لحام على شيء في أرشيف أعماله الطويل، لكنّه يعترف بأنّ بعض الأعمال كان من الممكن أن تكون أفضل، مثل «عائلتي وأنا» أو فيلم «سيلينا» أو «أبو الهنا». وهو فخور بأن تؤخذ بعض المشاهد الصغيرة من أرشيفه وتطوّر لتصبح حالة أو قضية، مثل مشهد الشرطي في مسلسل «وين الغلط» (1979) أو دفتر الدين في «صح النوم» (1972).
أحدث أعمال لحام، مسلسل «سنعود بعد قليل» (رافي وهبي/ الليث حجو)، شكّل نقطة تحوّل في مسيرته كممثل، ومادّة دسمة للنقاش والسجال في الإعلام، قبل عرضه وبعده في رمضان الماضي. وقيل إنّه لم يجد طريقه للعرض على الشاشة الرسميّة السورية، إلا كرمى لعيون لحّام، رغم رفض الرقابة له. ينفي لحّام ذلك، قائلاً إنّ العمل «متوازن ويحمل وجهتَي النظر، ويقدّم حكاية عائلة تمر بها ارتدادات الأزمة كأي عائلة أخرى، وهو أهمّ وأحبّ أعمالي إلى قلبي». فعلى الرغم من محبته لغوّار، إلاّ أنّ «شخصيّة نجيب (أبو سامي) تشبه دريد أكثر».
أمين حمادة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد