زجل القرادي.. طاقة شعرية وقدرة فطرية في جولات التحدي
إذا كان شعر الزجل هو أحد أكثر الفنون الشعرية رسوخا وبقاءً في الذاكرة الشعبية في بلاد الشام عموما وفي سورية خصوصاً فإن الفضل في ذلك يعود لالتصاقه بوجدان الشعب وبتراثه الضارب في الجذور وللطابع الغنائي الذي يتفرد به عن سواه من فنون الشعر.
ومن بين أنواع شعر الزجل التي تربو على 15 يبرز القرادي أكثر أنواع شعر الزجل شيوعا وانتشارا لدى شعراء هذا الفن ومستمعيه على حد سواء والمفضل في حفلات السمر والأعراس وجولات التحدي.
ويرى رئيس جمعية الزجل في سورية فؤاد حيدر في أن الشعبية التي يتمتع بها القرادي على حساب أنواع الزجل الأخرى تعود إلى سهولة إلقائه مقارنة بغيره والأوزان الشعرية الخفيفة التي يستخدمها إضافة إلى طابع الغناء والتحدي الذي يتطلبه مع المقدرة على الارتجال بين الشعراء المشاركين ما يضفي عليه حماسة وجاذبية عند الجمهور خاصة مع استخدام أدوات إيقاعية كالطبلة والدف لدى غنائه.
ويبين الباحث التاريخي أسامة حسون أن تسمية القرادي تعكس التمازج الذي حصل بين اللغتين الآرامية والعربية على الأرض السورية لأن أصل هذه التسمية مشتقة من كلمة القريض والتي تعني بالعربية الشعر وعندما انتشر استخدام هذه الكلمة وخاصة في المناطق التي انطلق منها فن الزجل والتي تعد معاقل لغة السيد المسيح في العالم كالقلمون بريف دمشق جرى تحويلها على الطريقة الآرامية بإبدال حرف الضاد إلى دال.
ويوضح حسون أن القرادي لون من ألوان الفن الشعبي التعبيري المغنى والذي يعتمد فيه الشاعر على طاقته الصوتية والإبداعية لاختيار القالب اللحني والكلمات المغناة والذي يتميز بوجود اللازمة التي يبدأ بها الشاعر في حين يقوم الجمهور أو الجوقة المرافقة بترديدها خلف الشاعر مرة أو مرتين.
ويلفت الباحث حسون إلى أنه غالبا ما يكون هناك أكثر من شاعر شعبي واحد في إحياء الاحتفال وقد يصل عددهم إلى أربعة حيث يقومون بتبادل الأدوار ما يخلق جوا من الحيوية والجاذبية والحماس وشحذ الطاقة الشعرية والقدرة الفطرية على الارتجال عند الشعراء ويفسح المجال لزيادة عدد الأدوار التي يؤديها كل شاعر لتتراوح القرادية من ستة أدوار إلى الثلاثين دوراً حسب جاذبية القرادية من حيث القالب اللحني والمفردات الشعرية وتفاعل الجمهور وقدرة الشاعر على الإبداع والارتجال.
ويعتبر حسون أن القرادي يمكن الشاعر من ترجمة جميع مشاعره والتعبير عن الغرض الذي يرمي إليه من غزل ووصف وفخر ومديح وهجاء وتناول الشعر الوطني والسياسي والاجتماعي لأنه يعتمد على تعدد القوافي وقصر المقاطع أو الأدوار ما يتيح مجالا أرحب للشاعر للابتكار والإتيان بأفكار جديدة فهي خفيفة الوزن سريعة الإيقاع متبدلة القوافي.
ويتصف القرادي بتعدد أنواعه وتباينها بين البساطة والتعقيد وزيادة المحسنات اللفظية والزخرفة البيانية وهي كما يشير الشاعر سلوم إلياس سلوم تصل إلى 13 نوعا هي القرادي العادي والمخمس المردود والمحبوك والمطبق والمغصوب والمرصود وكرج الحجل وطرق النمل والمرصع والمهمل والمنقط والقلاب والمجزم.
ويتميز المخمس المردود بأنه أصعب أنواع القرادي فهو يتألف من لازمة ومن دور يضم خمسة أبيات ويخمس البيت الثالث منه كما في قرادة باب البوابة ببابين الشهيرة التي غنتها فيروز في أوبريت قصيدة حب.
وبحسب رأي سلوم فان المرصود من الأنواع الطريفة في القرادي لأنه يتم بتجنيس القوافي أسوة بما هو معمول في أنواع أخرى كالعتابا ومن هذه الأنواع المهمل والمنقط إذ يقوم الأول على تنقيط كل الأحرف والثاني على تجنب استخدام الكلمات المنقطة كليا.
ويفضل الشعراء استخدام المجزم في الحوارات الحماسية كما يؤكد سلوم إذ يقسم البيت الواحد فيه إلى أربعة مقاطع تنتهي الثلاثة الأولى بقافية واحدة ساكنة مختلفة عن قافية العجز كقول الشاعر "يامحبوب .. برقت غروب .. مرقت جنوب .. هبوب ريـاح .. طرقت دروب .. سرقت قلوب .. عملنا ذنوب .. خسرنا أرواح".
وإذا كان القرادي وهو أحد فنون الزجل يضم هذا التنوع على صعيد الوزن والبنية الشعرية والإبداع فإنه لا يلاقي ما يستحقه من التركيز وتسليط الضوء ويعاني الإهمال والتغييب مثله في ذلك مثل الفنون الشعبية الأخرى التي تزخر بها سورية.
ويعتبر في هذا الصدد الباحث هشام أبو عياش أن سورية هي أغنى البلدان العربية بالفنون الثقافية الشعبية لاتساع مساحتها وتنوع تضاريسها وثقافة سكانها في حين أن الاهتمام بالفنون الشعبية وخاصة الغناء الشعبي مهمل تقريبا بينما تقام مهرجانات سنوية لموسيقا الجاز الأوروبية بتمويل من المراكز الثقافية الأوربية.
سامر الشغري: سانا
إضافة تعليق جديد