ســبـاق «كوكا كـولا»: إساءة للعرب
أثار إعلان «كوكا كولا» الخاص بدوري كرة القدم الأميركي، استياء منظمات وناشطين عرب في الولايات المتحدة، قالوا إنّه يصوّر العرب بطريقة مهينة وعنصريّة. وتسبب الإعلان بزوبعة إعلاميّة ضخمة، بعدما عُرض جزء منه على «يوتيوب» منذ 22 كانون الثاني الفائت، تحت عنوان «سباق كوكا». وكان من المتوقّع عرض الجزء الأخير منه بالأمس، خلال مباراة القمّة.
يظهر الجزء المعروض من الإعلان على «يوتيوب» رجلاً بلباس بدوي وسط الصحراء، يلمح في البعيد، زجاجة «كوكا كولا» ضخمة. يجرّ الرجل قافلة جمال خلفه، محاولاً الوصول إلى الزجاجة/ الغنيمة. عندها، يفاجأ بمجموعة من رعاة البقر تسابقه إلى الزجاجة، يتبعها، باص زهريّ تقوده راقصات استعراض من لاس فيغاس، ومجموعة سائقي دراجات يبدون كأنّهم خرجوا من فيلم «ماد ماكس». يتسابق كلّ هؤلاء نحو زجاجة المشروب الغازي، في حين يحاول العربي حثّ جماله على التحرّك. لكنّ أحدها يقف من دون حراك، فيما يمضي الآخرون نحو «الغنيمة»، تاركين سائس القافلة خلفهم. ينتهي الشريط عند وصول المجموعات الثلاث إلى قارورة «الكوكا»، ليكتشفوا أنّها مجسّم إعلاني، يرشدهم إلى مكان وجود الزجاجة الحقيقيّة.
وجد المعترضون في الشريط صوراً مهينة للعرب، وذهب بعضهم حدّ وصفها بالعنصرية. ففي الشكل، يظهر الإعلان العربيّ على أنّه ما زال ملتصقاً بجمَله، بطريقة لا تحيد عن الصورة النمطيّة للعربي في الأفلام الهوليوودية، إذ يكون شيخاً فاحش الثراء، أو إرهابياً، أو بدوياً. وفي المضمون، يقف العربيّ عاجزاً عن تحريك جَمَلِه والدخول في السباق، فيما يمضي الآخرون نحو الزجاجة/ الهدف، ما عدّته الجمعيات المعترضة أنّه «يضع العرب في مكانة مختلفة لدى مقارنته بالشخصيات الأخرى، ويصورهم كمتخلّفين يركبون الجمال، وليس أمامهم أيّ فرصة للفوز».
لكنّ القراءات المعترضة على الإعلان تثير بدورها أسئلة كثيرة. لعلّ أبرزها تعاطي العرب مع صورتهم، والمبالغة في تفسير الإساءة والتنميط. ففي الإعلان تمّ تقديم الشخصيّة العربيّة وفقاً لأربع مفردات: اللباس البدوي التقليدي، الجِمال، الصحراء، وموسيقى فيلم «ألف ليلة وليلة» الشهيرة (مطلع سمفونيّة «شهرازد»). ويمكن اعتبار ذلك تنميطاً، لكن، لو نظرنا إلى الأمر بحسن نيّة، يمكن اعتباره كتسليط للضوء على ملامح مميزة لشخصية العربي، وأصالتها. ولو سلّمنا أنّ صورة سائس الجمال مسيئة للعرب، ألا تعدّ صورة راعي البقر مؤشّر إساءة أيضاً للأميركيين؟ كما أنّ استخدام موسيقى «ألف ليلة وليلة» الشهيرة، فلا يعدّ تنميطاً مسيئاً. أليست روائع «ألف ليلة وليلة» من أهمّ ما حوته المكتبة العربيّة، ومنحته للأدب العالمي والغرب؟
من جهتها أكدت المتحدثة باسم شركة «كوكا كولا» لورين سميث التي نفت في تصريحات صحافيّة «أيّ دوافع عنصرية في الإعلان» مشيرةً إلى أنّ «الشخصية العربية في الدعاية تظهر نجماً سينمائياً يصوّر أحداث فيلم سينمائي أثناء بداية السباق نحو زجاجة الـ «كوكا كولا»، وستظهر تفاصيل دوره في المقطع النهائي الذي سيعرض أثناء مباراة القمة لمسابقة كرة القدم الأميركيّة الأحد (أمس).
لا يمكننا أن ننفي عن إعلان «كوكا كولا» عناصر التنميط للشخصيّة العربيّة، لكن يجب في المقابل مقاربة ذلك المعطى بعيداً عن العواطف والعبارات الرنانة. وهذا ما يفترض البحث عن صورة للعرب، تدحض التنميطات المهينة، عوضاً عن الاكتفاء ببثّ شكوى الظلم والإساءة.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد