سوق السيارات السياحية بين مطرقة تسعير الجمارك وسندان تلاعب شركات المراقبة
كغيره من القطاعات الاقتصادية لم ينج سوق السيارات السياحية في سورية من الآثار السلبية للأزمة التي ألقت بظلالها منذ بداية الأحداث التي شهدتها بعض المحافظات والمناطق
وبات هذا القطاع الاقتصادي المهم والذي يعمل فيه آلاف العمال من خلال فرص العمل التي يوفرها بشكل مباشر وغير مباشر.
وإذا علمنا أن إجمالي السيارات السياحية التي تدخل القطر سنوياً تزيد على (60 - 70) ألف سيارة وأن حجم رأس المال الموظف في هذا الجانب يتراوح بين 100 - 125 مليار ليرة سورية سنوياً فإننا نجد أهمية هذا القطاع الذي تدفع قيم سياراته بالقطع الأجنبي من قبل أصحاب العلاقة من وكلاء مفوضين وتجار سيارات يستوردون من مختلف الدول العربية والأجنبية.
آلية التسعير..
ونظراً لحساسية هذا القطاع فقد اعتمدنا في مادتنا الصحفية على أحد المختصين في تجارة السيارات الذي رفض الكشف عن اسمه كي لا يشكل ذلك له إحراجاً أمام أقطاب بل حيتان تجار السيارات في البلد والذي أكد أن حركة بيع وشراء السيارات كانت في تزايد ونمو مستمرين رغم وجود المنافسة بين الوكلاء المفوضين والتجار المستوردين وأن هناك فارق وهامش ربح يسعى الجميع لتحقيقه من خلال تقديم الفواتير والبيانات التي تناسب مصلحته أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً... وأن تكون أرقامه وبياناته الحقيقية بعيدة عن الأنظار بالتدقيق أو المراقبة من الجهات المعنية..
لكن وحسب المصدر نفسه على الرغم من اعتماد شركتي المراقبة والتدقيق الدوليتين (بيروفيروتاس و SGS) نجد أن الأسعار لم يطرأ عليها هذا التغيير الجوهري، وتساءل المصدر هل يعقل أن يكون لدينا أسعار لسيارة سياحية مهما كان نوعها ومنشؤها أن لا تزيد على 4000 دولار أي ما يعادل 200 ألف ليرة في وقت أكد لنا أحد المديرين المختصين الذي ذهب بمهمة رسمية إلى الصين للحصول على مكونات سيارة كاملة لتجميعها فيما بعد داخل سورية ورغم كل المحاولات آنذاك لم يجد هذا الوفد الرسمي سعراً أقل من 5000 دولار أي ما يعادل 250 ألف ليرة للسيارة غير الجاهزة (مكون سيارة متكاملة)؟!.
هذا الأمر يضعنا أمام تساؤلات عديدة عن مدى جدوى وجود شركة المراقبة الدولية، والتي تحصل مقابل إدخال كل سيارة على 5 آلاف ليرة مقابل تصديق الفواتير والوثائق المطلوبة بعد تدقيقها..؟!
هذا الواقع يأخذنا إلى أمر غاية في الأهمية وهو طالما أن الأسعار المقدمة من التجار والمستوردين للسيارات هي ليست دقيقة ومشكوك في صحتها ودقتها فلماذا نعود إلى التاجر ونطالب بتدقيق أسعاره من خلال اللجنة التي تم تشكيلها مؤخراً من رئاسة مجلس الوزراء ونغض النظر والطرف عن الجهة المعنية رسمياً بالتدقيق وهي شركات المراقبة الدولية والأحرى هنا أن يتم احتساب الفاقد من الإيرادات من حساب الشركتين الفنيتين اللتين وافقتا على تصديق وتدقيق الأسعار المقدمة لهما من قبل الوكيل المفوض أو تاجر السيارات نفسه..؟!
لا أن تذهب الجهة المعنية بالدخول في متاهات التدقيق بالدفاتر القديمة والعودة إلى السجلات بمفعول رجعي لا ندري إلى أين يوصلنا قضائياً..؟!
ثم إذا كانت الغاية من كل ذلك سواء مع إصدار المرسوم لتعديل التعرفة الجمركية على أسعار السيارات وأيضاً اللجنة المختصة للتدقيق في أسعار السيارات هو الوصول إلى القيم الحقيقية وبالتالي الإيرادات الفعلية لمصلحة خزينة الدولة فلماذا لا يعاد النظر في آلية التسعير التي اعتمدتها الحكومة منذ سنوات واعتماد آلية واضحة على غرار ما هو معمول به في دول العالم حول تسعير السيارات المستوردة دون الدخول في متاهات لها أول وليس لها نهاية..؟!
تراجع ملحوظ
رغم أفول حدة الأزمة الحالية في سورية فقد تراجع حجم بيع السيارات بشكل ملحوظ وساهم في ذلك عدة عوامل أهمها إحجام البنوك العامة والخاصة في سورية عن تمويل شراء السيارات تقسيطاً بعد أن كانت تلك البنوك تمول للبيع حتى ست سنوات وبأقساط ميسرة وبدون دفعة أولى ورغم ذلك فقد تدخل تجار ومستوردو السيارات لتنشيط حركة البيع من خلال تقديم ضماناتهم للزبون عند شرائه عن طريق البنك وباتت ضمانات البنوك موجودة من قبل التاجر والمستورد نفسه الذي يمول عمليات الاستيراد وفق كفالات يقدمها التاجر نفسه وبالوقت ذاته أحجم عدد من البنوك عن تمويل شراء السيارات وهذا ما انعكس سلباً على حركة البيع وعلى شراء وقيمة السيارات وأسعار الفائدة بالتقسيط التي ارتفعت بشكل ملحوظ أيضاً.
ومن الآثار الإيجابية للمرسوم الذي عدل بموجبه التعرفة الجمركية لأسعار السيارات السياحية أنه شجع كثيراً على إقامة صناعة وطنية للسيارات من خلال إقدام البعض على إنشاء معامل ومصانع لتجميع وتصنيع السيارات محلياً بترخيص من شركات أجنبية وتوفير الكثير من فرص العمل.
وتسعيرة الجمارك
من خلال متابعتنا لآليات التسعير التي اعتمدتها منذ سنوات إدارة الجمارك العامة أن يقدم التاجر فواتيره المصدقة أصولاً من الشركة الأم مرفقة ومصدقة أصولاً بشهادة من شركة المراقبة الدولية ليتم التدقيق فيها بعد البحث في الانترنت ومواقع الشركة الأم ومن ثم اعتماد السعر المقدم أو الاعتراض عليه وهنا نشير إلى أنه عندما يتم تسعير سيارة من صنف وطراز معين يتم اعتبارها مقياساً أساسياً ومسطرة تسعر بعدها جميع السيارات من نفس الطراز والموديل والنوع وفق هذا السعر ولا يقلق أي تاجر أو مستورد نفسه لوضع سعر يفوق هذا السعر المعتمد..؟!
الأزمة والواقع الحالي
وفيما يتعلق بالأزمة الحالية ومدى انعكاسها على واقع حركة بيع وشراء السيارات أوضح المصدر المختص أن هذا الأمر ترك آثاراً مباشرة على عمليات بيع السيارات لدرجة أن معظم الصالات الخاصة بعرض وبيع السيارات في سورية أصيبت بانتكاسة حقيقية مع بداية الأزمة وتصاعد الأحداث في مختلف المحافظات لكن منذ شهر تقريباً بدأت هذه السوق تستعيد عافيتها من جديد ولوحظ نشاط في حركة السوق نتيجة اعتماد تسهيلات جديدة ومنح مزايا وإغراءات للبيع مع عروض مميزة..
وهذا ما حرك نشاط السوق فبدأ يستعيد حركته واستمر الوضع لغاية صدور المرسوم الأخير الذي تم من خلاله زيادة الرسوم الجمركية على السيارات السياحية من 10٪ إلى 50٪ وفقاً لحجم واستطاعة كل سيارة.
وحسب نفس المصدر فإن المرسوم الذي عدل بموجبه الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات بشرائحها المختلفة لتصل إلى 150٪ بالنسبة للسيارات التي هي فوق 4000 cc له جانبان الأول إيجابي من حيث توفير المزيد من الإيرادات لمصلحة الخزينة والثاني أنه ساهم في زيادة ملحوظة على السيارات التي تعتبر شعبية وهي دون استطاعة 1600 cc والزيادة التي لحقت بالشريحة الأوسع من هذه السيارات بلغت إلى حد أقصى بما يزيد على 100 ألف ليرة سورية لكل سيارة سياحية لا تزيد استطاعتها عن 1600 cc وبالوقت ذاته نجد أن نسبة الزيادة وصلت ما بين 10 - 25٪ طبقاً لنوعية وحجم السيارة ولكن هناك أمر لم يحسبه البعض حتى الآن بأن الرسم الجمركي الذي تم زيادته على السيارات دون 1600 cc مثلاً وهو 10٪ أي 50٪ بدلاً من 40٪ لم يقتصر ذلك على الـ 10٪ فقط لأن هناك رسوماً إضافية سيتم زيادتها وأيضاً سيلحقها زيادة في عملية تسجيل السيارة أو ترسيمها والتي تعتبر رسوماً رفاهية تدفع لأول مرة عند التسجيل وتلك الرسوم تحتسب على أساس الرسم الجمركي مضافاً إليه القيمة المصرح بها للسيارة وتضرب بالرسم المحدد للرفاهية وبالتالي فإن عملية الزيادة المتطورة وهي 10٪ سيلحقها زيادة غير منظورة قد تصل إلى 25٪ بين رسوم إدارة محلية ومحافظة وطوابع مالية وغيرها وبهذا الشكل تكون الزيادة قد تضاعفت عما هي عليه.
آخر المحاولات..!
وعلى الرغم من أن آلية تسعير السيارات تعددت وتنوعت بين جهة وأخرى وتشكيل لجان واستخدام المجلة الألمانية والعودة إلى مواقع شركات السيارات الأم على الانترنت وما إلى ذلك من تنجيم في عالم التسعير كان آخرها ما وافقت عليه الحكومة منذ العام 2004 واستمرت حتى الآن إلا أن هناك من اكتشف وجود غبن للحكومة وللخزينة على آلية التسعير المعتمدة واقتراح تشكيل لجنة جديدة وفقاً لقرار السيد وزير المالية رقم 2054/و تاريخ 20/11/2011 الذي يقضي بتشكيل لجنة مهمتها تحديد أسعار السيارات المستوردة وفقاً للأسعار العالمية لهذه السيارات والسؤال يبقى هل سيتم اعتماد آلية التسعير السابقة المستندة على الفاتورة المقدمة من قبل الوكيل..؟! أم هناك أسلوب جديد سيتم اللجوء إليه ثم ما هو دور شركات المراقبة في ذلك..
أمير سبور
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد