شارع اطـوار بـهجت
موعدها الربيع ..
تهبّ مع رائحة الحقول والقداح لتلفح الذاكرة برائحة ارتحال اربك الزهور في طريقها نحو الشمس .. واربك زمن العصافير فأشعل في قلب الشمس حمرة المغيب ..
موعدها حين تخلع الاشجار عريها وترتدي عبق الربيع .. لتقول لنا عراء ندائها وهو يدق ابواب وطن اصم ..
في هذا الشارع اذن ...
في هذه البرية الشاسعة كأوهامي ..
كانت اطوار بهجت تعلق روحها في عنق السماء وتترك للقتلة جسدها الفستقي ينغرس في لحم الارض نخلة عراقية اخرى ترمي برطبها بكاءا ادمنته الحناجر ..
( شارع اطوار بهجت ) ...
هكذا اسميته وانا اقف وسط عرائه اتأمل رعب المشهد الذي اهتز له العالم وارتعدت له اوصال روحي وانا ارى صرخة جواد الحطاب الملتاعة التي اخترقت شرنقة صمتي واستدرجت دموعي المتحجرة لتمطر فوق الورق .. وفوق اعين الطالبات المعلقة على حروفي ولوحتهم الخضراء ..
حينها سالتني الصديقات عن سر دموعي المفاجأة ، فكان بكائي يجيبهن بدلا عني ويهمس في سر صمتي : تركت الحطاب غارقا في سواد حزنه
ولا اعرف كيف اضع ضمادتي على جرح كجرحه ..
كنت اريد ان ارويه دمي لأعوض نزفه على طويرته التي حلقت بعيدا عن خرابنا الارضي وتركتنا وسط ذهول لم تنل من لوعته السنوات بعد ..
بقيت اتأمل المكان الذي كان شاهدا على الجريمة .. واستنطق الحجر واسفلت الشارع الذي يرمق حزني وجرحي الذي استعاد نزفه في تلك الظهيرة المقفرة الا من رائحة الدماء ..
كنت اتلمس التراب الذي كان يوشك ان يوشوش في ذاكرتي اسماء القتلة ويرسم لي وجوههم مكبلة بسلاسل من نار ..
كانت صرختها الاخيرة توشك ان تخرج من باطن الارض وتحكي عن غدر الرصاص حين يتربص بامرأة لاتحمل في جيب قلبها سوى قصيدة خضراء كعينيها .. وتميمة تعلقها الامهات في صدر بناتهن كل صباح ..
كان كل شيء يشاركني حزني ... التراب الساكن كلغم موقوت .. والشارع الخائف من السيارات .. السيارات التي ترمق وقوفي وتعبرني بالريبة.. ..كنت امعن النظر في التراب وارى صرختان تشقان زرقة السماء ..
صرخة اطوار بفرحة الانعتاق .. وصرخة الحطاب الذي انكسرت فأسه وسط غابة ..تذكره خضرتها كل يوم بعرائه الوحيد..
شعرت اني اذا ما اوغلت في السير قليلا ..فانني ساجد زهرة حمراء بلون دمها في المكان الذي سال فيه وروى الأرض ..
فدماء كهذه لاتنبت في سواد ارضنا سوى االورد ..
ولاتستنبت في ادغال ذاكرتنا سوى وجوها غائمة خلف غيوم الدمع .
رشا فاضل
إضافة تعليق جديد