شركات زعبرة لأجهزة الفلترة تستثمر جهل الزبائن
يرن هاتف المنزل او الموبايل، والمتصل صوت أنثوي، يخبرك بكلمات سريعة ورشيقة، انه قد وقع اختيار الشركة عليك ليحل ضيفاً في منزلك ليطلعك على أحدث جهاز لتنقية مياه الشرب، والمطلوب تحديد موعد، وبعدها يتم الاتصال بآخر وهكذا.. وفي الوقت المحدد يصل (مندوب الشركة)، فماذا هو فاعل..؟!.
وفق حالات تابعناها، وكلها تطابقت في الأسلوب المتبع، فإن الضيف وبعد الترحاب، يسارع إلى شرح ميزات الجهاز السحري، حيث يقوم بتنقية مياه الشرب، وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب وبامتياز، ومن ثم يقدم الدليل!!.
يطلب كوباً من المياه التي يشربها صاحب البيت وأسرته، ويدخلها في الجهاز الموصول بالكهرباء، وبعد برهة، يُصعق صاحب البيت لما يراه!.. بقايا مياه يدل مظهرها العام على انها آسنة، فكيف كان يشربها مع أطفاله؟!.. ثم يدخل المندوب في حديث السعر، وهنا يبدأ التململ، حيث ليس بمقدرة صاحب البيت ان يشتري هذا الجهار بهكذا سعر، الذي قد يتجاوز الـ /22/ ألف ليرة سورية!!.. ثم يعرض مبدأ التقسيط، وهكذا، إما ينجح المندوب في تصريف الجهاز أو يخرج على أمل تصريفه في بيت آخر.
يقول عدد من الأشخاص الذين شاهدوا التجربة: انه لو كان بإمكانهم شراء الجهاز لما ترددوا لحظة، وحفاظاً على ماء الوجه لدى البعض، فإنه يدفع بالتشكيك بالجهاز وبالتجربة، لكن السائد، ان هذه الشركات تدفع نحو صناعة رأي عام يشكك بسلامة مياه الشرب.
لم يتمكن من لجم نظرات ابنه المعاتبة التي وقف عاجزاً أمامها، فلا هو بقادر على شراء جهاز يحمي طفله المستغرب من هكذا مياه، ولا هو بقادر على إقناع طفله بأن ما رآه غير صحيح، وان في المسألة أمراً غريباً، خاصة انه سمع كلام مسؤول يفيد بأن المياه مراقبة باستمرار وهي صالحة للاستهلاك البشري.
لا ندري إن كانت خطة مدروسة من قبل إحدى الشركات أو هي محض صدفة ان يتزامن ازدياد نشاطها في ريف دمشق، مع مشكلات مياه الشرب في هذه المحافظة.. ففي الوقت الذي تم تخصيص مؤسسة مياه ريف دمشق بمبلغ /1.3/ مليار ليرة في موازنتها الاستثمارية للقيام بالعديد من المشروعات، ومعالجة موضوع الصرف الصحي والمياه، حيث ان هناك عجزاً يومياً، وآبار خرجت عن الخدمة وشبكات مهترئة، نشطت هذه الشركات بقوة.. فهناك مثلاً ارتفاع بنسبة تركيز النترات في المياه الجوفية، لعدة عوامل، مما أدى إلى استبعاد /220/ بئراً من الخدمة.
ويقول تقرير صحي انه سحبت نحو /151/ عينة مياه للفحص الجرثومي وتبين ان /67/ منها غير مقبولة، وسحبت /13/ عينة مياه للفحص الكيماوي، وتبين ان سبع عينات منها غير مقبولة.
فهل استغلت هذه الشركة أو تلك هذه المعطيات ووجدت ان مناخاً مناسباً يساعد في تبنّي الناس لفكرة ان المياه ملوثة ويحتاجون إلى مثل هذا الجهاز..؟!.
عندما حاولنا التقصي عن إحدى الشركات، تبيّن وجود مكاتب تمثل تلك الشركة الأمريكية ولها مندوبون يجوبون في كل الريف، فكيف حصلت على التراخيص، وهل تلك التراخيص يعطيها الحق في الدفع نحو الاعتقاد بأن المواطن في خطر جراء مياه ملوثة يشربها يومياً..؟!.
ألا يعتبر ذلك تسهيلاً من قبل بعض الجهات المعنية لهذه الشركة أو غيرها في العمل بالطريقة التي تراها مناسبة للترويج وبيع أجهزتها..؟!.
لم تفلح محاولة أحد المواطنين عندما أعطى المندوب كوب ماء من جهاز محلي الصنع، والمياه الموضوعة فيه قد أحضرها من دمشق، وقد كانت النتيجة ذاتها عندما وضع كوب ماء من المياه الواصلة إلى القرية، وعندما احتج المواطن على المندوب واعترف له ان كوب الماء الأول هو من مياه دمشق، قال له: منذ متى والمياه موجودة في البراد (الجهاز)..؟!.. هذه المياه موجودة منذ فترة ولم يفلح جهازك في تنقيتها.
تحدثنا إلى الدكتور عبد الناصر سعد الدين، مدير عام مؤسسة المياه في ريف دمشق، وسألناه عن موقف المؤسسة من هذه الشركات، وخاصة انها تشكك بمبدأ الموافقة التي تقوم بها المؤسسة، ولماذا لا تتحرك المؤسسة..؟!.
فقال: انه تم عقد ندوة تلفزيونية مؤخراً، وتحدث فيها عن هذا الموضوع، وقد أعطيت توجيهات انه وفي حال تم الابلاغ عن اي مندوب يروج لهذه الأجهزة بطريقة التشكيك بالمياه، فإنه سيتم ايقافه فوراً.
وأكد سعد الدين ان المياه تحت عين المراقبة، وهي ضمن المواصفات القياسية، وهناك تشدد في هذا الأمر ولا تهاون فيه مطلقاً.
وحول التراخيص التي منحت لهذه الشركة وغيرها قال: أجهزة هذه الشركات مفيدة فقط في التخفيف من نسبة الأملاح في المياه، وبالتالي تصبح المياه أفضل لعمل «الشاي» لا أكثر ولا أقل.
اما عن التجربة التي تجرى أمام عين المواطن، فقد أوضح ان ما يحدث هو عملية تبادل شاردي ضمن المياه (لوضع مأخذين)، حيث تحلل الأملاح وتحدث عملية أكسدة على محور التماس، ولهذا تظهر المياه للعيان عكرة وملوثة، وأكد ان نسبة الأملاح الموجودة في المياه مقبولة وضمن الحد المسموح به (500 ملغ/ليتر)، وهي القساوة العليا المسموح بها، وهي صالحة للشرب ولا توجد أية مشكلة، وقد تم الطلب إلى كل وحدات المياه بتوقيف كل من يحتال على المواطن، وقد تم اعلام المحافظة سابقاً وأخذنا الموافقة باتخاذ ما يلزم من إجراء.
من المعروف، انه ليس من السهل اقناع المواطن السوري ببضاعة ما، حتى ولو قدم مروجها كل الأدلة بنجاعتها، لذلك كان مبدأ الشك الذي تعامل به المواطن هو الحاجز الذي منع من تكوين رأي عام بأن ما شربه ملوث.
من هنا، لا بد أولاً من اصدار ما يلزم لضبط مهنة المندوب الذي يأتي إلى المنازل، وثانياً من الضروري مراقبة عمل الشركات أو مكاتب لها، وخاصة تلك المتخصصة ببيع منتجات تتعلق بغذاء وماء المواطن وطريقة الترويج المتبعة بهدف بيعها.
غسان الصالح
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد