صديقي الأخير: ما يجري في سورية هو أزمة ضمير
الجمل ـ نبيل صالح: «صديقي الأخير» لجود سعيد مثل فيلم "الساموراي الأخير" يصور تقلص الأخلاق مقابل تمدد التكنولوجيا التي تفترس إنسانيتنا لتحولنا إلى معادلات مادية لا مكان فيها للشهامة والفروسية.. إنه فيلم ممتع وكوميديا سوداء مُرّة تشرح الأزمة التي وصلنا إليها مع أن أحداثها جرت في زمن سابق لها.. فما يحصل في سورية هو أزمة ضمير وصراع بين بشر قادمين من عصور ماضية بأسلحة زمن حديث.. هذا هو الإنطباع الأول لافتتاح الفيلم في سينما الكندي بدمر ولن نحكي هنا قصة الفيلم التي سيكررها (نقاد الاستكتاب الصحفي) ضمن حدود عملهم التي تقتصر غالباً على سرد الحكاية، ليسطحو بذلك عمق الصورة المعرفي وإيحاءها الشعري .
ففي «صديقي الأخير» الحكاية هي البطل والناس وقودها، إنها صراع السلطة مع ذاتها، وصراع السلطة مع الناس، وصراع الناس الذين فوق مع الذين تحت، وبين البطل وضميره، الضمير الذي يصل إلى طريق اجتماعي مسدود ويدفع الطبيب خالد إلى الانتحار، بينما يدفع صديقه الافتراضي المحقق يوسف نحو العزلة في جباله البعيدة، مصطحباً معه طفلة الحب التي تبناها خالد قبل موته، هذه الطفلة هي بذرة المستقبل التي سيعيد المحقق يوسف زراعتها في بيئة بكر بعيداً عن معادلات الحياة المتداخلة مع الأسباب التي تهيء سرير الخطيئة.. فالعميد يوسف " عبداللطيف عبد الحميد" هو بطل ماركيزي بامتياز، بينما الطبيب المنتحر " عبد المنعم عمايري" أشبه بشخصية وجودية خارجة من روايات الكاتب الفرنسي أندريه جيد. إنهما بطلان يختلفان في كل شيء ولكنهما يلتقيان في الجوهر الذي يدعونه "الضمير"..
وإذاً ف«صديقي الأخير» هو دعوة ليقظة الضمير السوري وإعادة دمجه مع أسلوب الحياة التكنولوجية المستوردة، و التي ما زلنا نتخبط فيها لعدم استيراد الكتالوك الأخلاقي والقانوني معها: فقد استوردنا السيارة والهاتف والموبايل والانترنت والفيس بوك مع إهمال كامل للقوانين الناظمة لاستخدامها.. وهذا مايجعل المحقق متوجسا في استخدامها كما لو أنها ستقوده نحو الخطيئة.. فهو كالساموراي الياباني، شخص ينتمي إلى زمن السيف والأخلاق الزراعية، بينما مساعده الفاسد النقيب أمجد (مكسيم خليل) أقرب إلى الأخلاق الإلكترونية التي تمجد الشرير الناجح وتزدري الخاسر: إنها "الأخلاق التكنترونية" لآلهة الإمبراطورية الأمريكية التي بشر بها بريجنسكي قبل ربع قرن ولم ننتبه لها حتى عصفت رياحها في أرواحنا وسراويلنا..
و هذان الصديقان القادمان من زمنٍ مضى وحّدت بينهما تقنيات التكنولوجيا الحديثة لتنتج علاقة غرائبية بين شخص ميت ومحقق على أبواب التقاعد والنسيان، بحيث يشكلا حاضنة أخلاقية للضمير الجديد (الطفلة) الذي سيعيد هذا المجتمع إلى صوابه وإنسانيته. إنه فيلم يقول لنا: أيها السوريون عالجوا ضمائركم إذا أردتم أن تربحوا وطنكم..
المفاجأة الفنية في الفيلم هي عبد اللطيف عبد الحميد الممثل، فبعد ربع قرن من وقوفه خلف كاميرا الإخراج يقف اليوم أمامها ليثبت أنه كممثل لا يقل إبداعاً عنه كمخرج.. تحية للمخرجين جود وعبد اللطيف وللمشاهد الذكي الذي نأمل أن تنعكس نظرية التطهير في صحوة الضمير على سلوكه لإنتاج السلام السوري المنشود..
تنويه: أهدى المخرج فيلمه إلى روح الديكوريست الشهيد أحمد العص الذي كان يحارب ليلاً ويعمل مع أسرة الفيلم نهاراً فخدم وطنه محارباً وفناناً..
هامش: في المشهد الأخير من الساموراي الأخير ينحني الكابتن "ماثن" وهو يقدم للإمبراطور سيف صديقه الساموراي الأخير "كاتسوموتو" فيسأله الإمبراطور: حدثني كيف مات؟ فيجيبه الكابتن: بل سأحكي لك كيف عاش.. وهذا يحيلنا إلى أن الشهداء قد يتساوون بالبطولة والفداء في ساحة المعركة لكن ما يميز شهيداً عن أخر هو حكايته: كيف عاش..
التعليقات
هل يصحو الضمير المستتر
توعية ثقافية
إضافة تعليق جديد