عادات الزواج وتقاليده في المجتمع الحوراني

16-06-2008

عادات الزواج وتقاليده في المجتمع الحوراني

الزواج في حوران كسائر المناسبات الاجتماعية له عادات وتقاليد متبعة تنظم إجراءاته وتعمل على ضبطه ويقول الباحث عبد الرحمن الحوراني مؤلف كتاب التراث الشعبي في حوران.

أن الزواج في حوران يمر بعدة مراحل أو خطوات أولها الخطبة وهي الخطوة الأولى التي تسبق الزواج وتتم هذة الخطوة من قبل الخاطبة التي تزور البيوت بناء على طلب أسرة ما ترغب في خطبة فتاة لابنها فتأتي بأخبار الفتيات اللواتي تزور بيوتهن وتنقل لأهل العريس صورة واضحة عن العروس وأهلها وعادة ما تكون الخاطبة ناقدة بطبعها حيث تأتي بوصف كامل لكل النواحي عن العروس وأهلها وحالتهم الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية وتبدأ الخطبة بذهاب الجاهة وهي مجموعة من الاشخاص الوجهاء إلى بيت أهل الفتاة المراد خطبتها فيقوم أهل الفتاة بصب القهوة المرة للجاهة فيضع أفراد الجاهة فناجين القهوة على الأرض دون شرب محتوياتها فيفهم أهل الفتاة أن هناك طلباً ما للجاهة فيقول أحد أفراد الجاهة لولي أمر الفتاة نحن دايسين بساطك وطالبين قربك ونسبك ونريد بنتك فلانة زوجة لابن فلان على سنة الله ورسوله فإذا كان ولي أمر الفتاة موافقاً يقول اشربوا قهوتكم تراها اجتكم خدامة مافيش عندنا أحسن منكم واللي جيتو ميشانه بتعودو بيه.

ثم يأتي أهل العريس بذبيحة أو أكثر ويدعون الأهل والأقارب والأصدقاء على الغداء في بيت أهل العروس وتعلن الخطوبة رسمياً بعد أن يتفق الطرفان على المهر والمهر كلمة من أصل سامي ولفظها ماهار وانتقلت إلى العربية باسم مهر وكانت تعني ثمن المرأة.

ويشير الباحث الحوراني إلى أن هذه التسمية كانت دارجة في حوران منذ القدم كما ويطلق الكثيرون على المهر اسم "السياق" وسبب التسمية هو أن المهر قديماً كان يقدم على شكل مجموعة من المواشي كالجمال والأبقار وكان العريس يسوق هذه المواشي إلى ديار أهل العروس ولذلك سمي المهر بالسياق كما ويطلقون على المهر في حوران اسم الصداق أوالنحلة وكلاهما تسمية إسلامية وتحديد المهر يجري بالاتفاق مابين الطرفين بعد أن تقرأ الفاتحة على نية القبول ويبارك الطرفان لبعضهما ويتفق الطرفان على مقداره.

والمهر بين الأقارب أقل من مهور الغير فما يدفعه ابن العم كمهر لابنة عمه هو أقل بكثير مما لوكان العريس من عائلة أخرى وفي أكثر الأحيان يكون المهر تجهيز العروس أي شراء جهازها أي جهز وخوذ فابن العم يكسي ويحذي ويتزوج ومازال هذا التقليد سارياً حتى الآن.

والمهر في حوران قديماً هو عبارة عن مواشي أوحبوب أومال أو قطعة أرض وهو معجل ومؤجل ويأخذ الوالد أكثر من نصف المهر ويجهز ابنته بالمبلغ الباقي وأحياناً يجري الاتفاق على أن يأخذ والد العروس مبلغاً معيناً من المال له ومبلغاً ثمناً للجهاز ومن المتممات للمهر ثمن عباءة العم وعباءة الخال وهدية أم العروس التي ما تكون غالباً خاتماً من الذهب.

وبعد إتمام مراسم الخطبة يتم عقد القرآن وقد يكون ذلك يوم الخطبة أو في يوم الزفاف حيث يقوم الشيخ أو المأذون بعقد القرآن ويتم ذلك بدخول الشيخ وولي أمر العروس أو وكيلها والشهود إلى غرفة خالية من الناس وذلك خوفاً من الحسد ليخرجو بعدها معلنين خطبة فلان على فلانة فتصب القهوة المرة وتوزع الحلويات بهذه المناسبة.

وفي اليوم التالي يوجه والد العريس دعوة إلى العروس وأهلها لتناول طعام العشاء في منزله وبعد تحديد يوم الزفاف تبدأ الاستعدادات لهذا اليوم وتقوم العروس بتجهيز نفسها وشراء احتياجاتها المنزلية والتي تشمل الملابس والأثاث والفراش والبسط والحصر وبعض الأواني المنزلية والصندوق الخشبي الملبس بالتنك الملون والذي يستعمل لخزن الملابس والحاجيات الأخرى إضافة إلى استعمال سطحه لطي الفرشات واللحف والمخدات والشراشف كما تشمل تجهيزات العروس مرآة كبيرة وزوجاُ من القطيفة وقلادة من الليرات الذهبية والعرجة والتراكي والحزام والخواتم الذهبية والأساور ويقع عبء شراء الجهاز على عاتق والد العروس الذي استلم كامل المهر.

وفي حوران عادة شراء اللبسة أوالكسوة وهي تسبق شراء الجهاز وتقع على عاتق والد العريس والعريس وتشمل الملابس الجاهزة والأقمشة والحطات النسائية المقصبة بخيوط الذهب وغيرها من الملابس تقدم كهدايا بمناسبة العرس إلى شقيقات العريس وعماته وخالاته وإلى بعض المقربات من أهل العريس وقد تهدي العروس لعريسها بعض الملابس كهدية قبل الزواج أيضاً وقبل الزواج بأيام قليلة ينقل جهاز العروس من بيت أهل العروس إلى بيت أهل العريس ويتم ذلك جهاراً نهاراً أمام الناس ويعود أهل العروس في اليوم الثاني إلى بيت أهل العريس لترتيب الأغراض في أماكنها ويتناولون طعام العشاء ويعودون إلى بيوتهم.

وتشهد ساحة القرية خلال هذه الفترة إقامة مايسمى بـ التعليلة حيث تعقد الدبكات وتقام الرقصات والفقرات الفنية التراثية الخاصة بمثل هذه المناسبة وتستمر إقامة هذه الأفراح سبع ليال والليلة التي تسبق يوم الزفاف تسمى ليلة الحنة "الحناء" وفي ليلة الحنة تجلس العروس مع صديقاتها وقريباتها بانتظار أهل العريس الذين سينقلون الحنة إلى العروس فتقوم إحدى النساء الماهرات بتجهيز الحناء وتلطيخها على يدي العروس وقدميها وفي أماكن مختلفة من جسدها مستخدمة الرسوم والنقوش وسط الأغاني والزغاريد الخاصة بحنة العروس.

ومن أهم الأغاني التراثية للحنة...

حنيت ايدايا ولا حنيت أصابيعي يا محلا النومة بحضين المرابيعي حنيت ايدايا ولا حنيت كفاتي يا محلا النومة بحضين البنيات حنيت ايدايا ولا حنيت أظافيري يا محلا النومة بحضين الغنادير يا الأهل يا الأهل يا محلا لياليكم يا محلا النومة بفية علاليكم سبل عيونوومد ايدويحنونوشعره شلايل ذهب نازل على عيونو وينام الجميع في ليلة الحناء باكراً بانتظار يوم الزفاف المتعب المضني.

في يوم الزفاف تلبس العروس بعد الظهر بدلة العرس الخاصة وتجلس على دكة مرتفعة في صدر الدار إذا كان الفصل صيفاً وفي صدر الغرفة إذا كان الفصل شتاء وهي بأبهى زي وأحلى حلة تستعرض الأهل والصديقات وتستقبلهم بابتسامات فاترة لأن إظهار الفرح بهذه المناسبة معيب وفد تلجأ بعض النساء إلى الرقى والتمائم والتعاويذ من أعين الحساد بينما يقوم الشباب بغسل العريس في دار أحد أصدقائه ويبدؤون في إلباسه ملابس العرس قطعة قطعة وسط الأغاني والأهازيج ثم يقومون بزفافه إلى إحدى الساحات عبر الشوارع وهم يغنون ذهاباً وإياباً وكل ما مر أمام أحد البيوت يرش عليه أصحابها العطر وينثرون السكاكر والرز والملح.

ويذهب الجميع رجالاً ونساء وأطفالاً إلى أحد أطراف القرية أو المدينة إلى مايسمى "الصابية" أوالميدان حيث يمتطي الفرسان خيولهم ويجرون سباقاً بينهم فيطرد بعضهم بعضاً واحد لواحد أو اثنين لاثنين وهكذا والنساء تزغرد وتغني....

وسعوا الميدان والميدان لنا

خيل أبوفلان تطرد خيلنا

بينما يحث الرجال والشباب الفرسان ويصفقون لهم ويشجعونهم ويتراهنون على الفائز بالسباق ويبقى السباق قائماً حتى يغطي العرق أجساد الخيول ويتعب الفرسان.

وبعد تناول طعام الغداء وانتهاء مراسم زفة العريس يقوم أهل العريس و لفيف من الشباب المقربين من العريس بالذهاب إلى بيت أهل العروس ويستأذنون والدها بالسماح لابنته بالذهاب إلى دارها الجديدة وعندها تقبل العروس يد والدها مودعة بالبكاء فيزودها بنصائحه ودعائه بدوام السعادة ويقدم لها أمام الناس "النقوط" وهي عبارة عن نقود وحلي ذهبية ويلبسها عباءة ويغطي وجهها بمنديل أبيض شفاف وتخرج العروس من دار أبيها بموكب حافل ممتطية فرساً أصيلة مزينة بالمخمل الخمري ورسن ملون وريش النعام والودع وتسير إلى جانبها اثنتان من صديقاتها وشقيقاتها وأخواتها وأمها وسائر قريباتها يهزجن ويزغردن ويمدحن جمال العروس وأدبها وأهلها وكرمهم ونبل أصلهم واتساع نفوذهم وأثناء مرور موكب العروس في الشوارع جرت العادة أن يقدم أصحاب الدكاكين والمحال التجارية النقوط والذي غالباً مايكون نقود وهذه عادة تراثية لازالت قائمة حتى الآن.

وبعد وصول موكب العروس إلى باب دار أهل العريس يكون العريس قد أخذ مكانه فوق سقف باب الدار حاملاً زجاجة عطر وكيس من السكاكر يقوم بنثرها على العروس والحضور بينما تقف والدة العريس في زاوية جانبية وبيدها قطعة من العجين فتعطيها للعروس لتلصقها على سقف باب الدار التماساً للخير في قدومها ويمناً بالبركة.

وبعد دخول العروس إلى بيت أهل العريس تصمد في باحة الدار حتى الغروب حيث يقوم الأصدقاء في هذه الأثناء بتقديم النقوط للعريس ثم يتناولون طعام العشاء وينصرفون إلى بيوتهم.

ثم تدخل العروس إلى غرفتها الخاصة أو منزلها مع قريباتها وصديقاتها ويرافق الشباب العريس إلى منزل الزوجية وهم يغنون الأغاني المناسبة لهذا الموقف وعند دخوله إلى العروس يخرج الجميع ويذهب كل منهم في حال سبيله.

وفي صبيحة اليوم الثاني تحضر والدة العروس وهي تحمل وجبة دسمة من اللحوم والديوك البلدية للعريسين وتستمر في ذلك لمدة أسبوع.

وفي اليوم الرابع لزواج العروسين تبدأ الزيارات لتهنئة العروسين وتقديم النقوط لهما وتبدأ دعوات العريس من الأصدقاء والمقربين لولائم الغداء والعشاء فيما تبقى العروس في منزلها وتستمر هذه الدعوات لمايزيد عن أسبوع ليعتذر العريس بعدها عن قبول الدعوات وينصرف إلى ممارسة أعماله ونشاطاته المعتادة.

يشار إلى أنه في الوقت الحالي تغير الكثير من عادات وتقاليد الزواج ولاسيما تلك المتعلقة بالمهر وحصول والد العروس على مبالغ خاصة وإجراءات الزفاف وفترات إقامة الفرح وتجهيزات العروس حيث أصبحت تجهز بأفضل التجهيزات المنزلية لمواكبة تطورات العصر ومتطلباته واحتياجاته.

سلطان الجاعوني

المصدر: سانا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...