غضب في المغرب: نهاية بائع سمك
ألقى مقتل بائع السمك محسن فكري سحقاً داخل شاحنة نفايات لإتلاف البضائع غير القانونية، في مدينة الحسيمة في المغرب، بظلاله على الشارع المغربي عموماً، وفي مدينته الساحلية خصوصاً التي لها تاريخٌ من الصدام مع الحكومة. لكن الطريقة المأساوية التي أدت إلى مقتل فكري، ستفتح من دون شك سجالاً سياسياً في ظرف محلي دقيق، يحاول فيه حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي تشكيل حكومته الثانية، وسط محاولات لإشراك المعارضة.
وعلى الرغم من تحقيق المغرب نسبة نمو جيدة خلال السنوات الماضية، وتمكنه من الحفاظ على استقرار سياسي وسط محيط عربي مشتعل، إلا أن الحادثة كذلك ستثير تساؤلات حول نسبة «العدالة الاجتماعية» التي حققها هذا النمو، وهي تساؤلات مطروحة أصلاً في الشارع، رغم إثبات النظام المغربي قدرته على احتواء مظاهر «الغضب الشعبي».
واهتز الرأي العام المغربي بشدة مساء الجمعة على وقع حادثة مصرع الشاب محسن فكري (30 عاماً)، داخل شاحنة لشفط النفايات، إثر اعتراضه على إقدام سلطات مدينة الحسيمة الساحلية شمال المغرب على مصادرة أسماكه بحجة ممارسته الصيد لأنواع غير مرخص بصيدها، والرمي بها داخل شاحنة القمامة. وأثار مقتله والمقطع المسجل والصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لظروف مقتله ولجثته «المطحونة» موجة حزن وغضبا وصدمة، وسار الآلاف أمس خلف جثمانه الذي نقل من الحسيمة إلى بلدة إمزورن المجاورة الواقعة على بعد 15 كيلومتراً، مرددين هتافات غاضبة.
وأكدت مصادر وشهود عيان من داخل المدينة أن الضحية صعد إلى الشاحنة مع شركائه احتجاجاً على مصادرة مصدر رزقه، قبل أن يأمر أحد المسؤولين الأمنيين بسحقه مع بضاعته، ليتم شفطه إثر ذلك وسط ذهول الحاضرين، وأمام مفوضية الأمن والمحكمة الابتدائية لمدينة الحسيمة، المنتمية إلى منطقة جبال الريف شمال المغرب، والمعروفة بتاريخها الصدامي مع الاستعمار الإسباني، ومع السلطات المغربية.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن العبارة التي أطلقها المسؤول الأمني، تحولت إلى «هاشتاغ» في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي عبارة «طحن مو»، التي تعني في العامية المغربية إعطاء الأمر بالقتل. وتبع ذلك دعوة نشطاء إلى مسيرات في جميع المدن المغربية، نظمت أمس، احتجاجاً على ما اعتبروه «تعاملاً مهيناً للسلطات مع المواطنين المغاربة»، أبرزها التظاهرة التي نظمت أمام مبنى البرلمان المغربي وسط العاصمة الرباط.
وبالطبع، شهدت مدينة الحسيمة مسيرات حاشدة منذ وقوع الحادث المأساوي، ما دفع بالمسؤولين المحليين إلى اتخاذ عدد من الإجراءات، كإقالة المندوب الإقليمي للصيد، بسبب التساهل في صيد بعض أنواع السمك أثناء موسم تكاثرها، وهو الذي دفع السلطات أصلاً إلى مصادرة أسماك فكري، والذي أمضى حياته كتاجر جملة، ينقل الأسماك من الميناء إلى أسواق الحسيمة.
وفي سياق التداعيات التي رافقت الحادثة، أعلن كل من «حزب النهج الديموقراطي» المعارض للملكية، وجماعة «العدل والإحسان» المحظورة استعدادهما للمشاركة في كل أنواع الاحتجاجات الممكنة، في حين حمّل إلياس العماري، الأمين العام لـ «حزب الأصالة والمعاصرة» المقرب من القصر، المسؤولية لحزب «العدالة والتنمية» الذي يقود حكومة تصريف الأعمال، ويستعد لقيادة الحكومة المقبلة.
حزب «العدالة والتنمية» بدوره تفاعل مع الحدث، وذلك بإصدار أمينه العام عبد الإله بنكيران أمس الأول، بياناً توجيهياً إلى شبيبة حزبه، أعرب فيه عن «أسفه» للحادث، ولكنه دعا الشبيبة إلى النأي بالنفس عن المشاركة في أي تظاهرة لها علاقة بالتنديد بالحادث. من جهته، أعطى الملك المغربي محمد السادس الموجود في تنزانيا ضمن جولة واسعة شرق أفريقيا، أوامره بـ «محاسبة المتورطين»، وزيارة وزير الداخلية محمد حصاد لأسرة الضحية.
ويأتي حادث مصرع محسن فكري، الذي شيع جثمانه أمس، في ظرف سياسي دقيق في البلاد، حيث لم يتمكن حزب «العدالة والتنمية»، إلى الآن، من تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد تصدره لنتائج انتخابات السابع من تشرين الأول الحالي، وذلك للمرة الثانية على التوالي، في أول سابقة من نوعها في التاريخ السياسي المغربي.
الاحتقان الذي رافق مقتل محسن فكري، بات يثير مخاوف لدى بعض المعلقين والمراقبين من أن يتدحرج الأمر إلى الأسوأ، ما يمكن أن يؤدي إلى الرفع من منسوب مخاطر عدم تشكل حكومة، فالعملية لا زالت متعثرة، في ظل خروج حزب «الأصالة والمعاصرة» إلى المعارضة، ووسط حديث عن إمكانية التحاق حزبَي «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي» بالحكومة المقبلة، وهما من بين أكبر معارضي الحكومة السابقة التي قادها «العدالة والتنمية».
يُذكَر أن مدينة الحسيمة في منطقة الريف في المغرب تعد حوالي 55 ألف نسمة، وشكلت قلب الثورة ضد المستعمرين الاسبان في العشرينيات من القرن الماضي، ثم مسرحاً لحركة احتجاج شعبي في 1958. وهي عانت خلال تاريخها المعاصر من تهميش اقتصادي واجتماعي من طرف الدولة المغربية، إذ اهملت طويلا أثناء حكم الملك الحسن الثاني وعرفت بعلاقاتها السيئة مع السلطة المركزية المغربية. كما انها كانت مركز الاحتجاجات أثناء «حركة 20 شباط»، المقابل المغربي لحركات «الربيع العربي» في 2011، والتي تحولت فيها إلى أعمال عنف أدت إلى سقوط قتلى.
عبد الفتاح نعوم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد