لمسة فنية سورية على سطح معهد العالم العربي
ابتداءً من الاسبوع المقبل ستضاف لمسة جديدة على مبنى معهد العالم العربي في باريس. وسيكون على زوار هذا المبنى المعروف في باريس القديمة، والذين يقدر تعدادهم بمليون زائر سنوياً، ان يصعدوا الى اعلى المبنى كي يلاحظوا تلك الاضافة التي تحمل بصمة النحات السوري مصطفى علي.
فمنذ اشهر اعلنت ادارة المعهد عن مسابقة لعمل فني ستضعه على سطح المبنى الذي يطل على نهر السين وكنيسة نوتردام، وذلك لمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسه، ووجهت دعوات الى 37 فناناً عربياً للمشاركة. وبعد معاينتها النماذج الأولية اصطفت لجنة المسابقة خمسة اعمال ناقشتها مع اصحابها في باريس، وفاز النموذج الذي قدمه مصطفى بالمسابقة، وبناء عليه حصل النحات السوري في شباط الماضي على الجائزة التي تبلغ 15 الف يورو، وبدأ العمل على انجاز عمله في دمشق.
ومنذ يومين انهى علي عمله النحتي، وأقام حفلة وداع في مرسمه الدمشقي. والعمل هو عبارة عن مجسم افقي اقرب الى اللوحة، مساحته 36 متراً مربعاً، مقسم الى 36 مربعاً على طريقة النحت النافر، تتوزع عليها مجموعة متنوعة من الاشارات والرموز المأخوذة من التاريخ والتراث العربيين.
ويوضح النحات علي ان العمل الذي صممه وأنجزه جاء وفق شروط وضعتها لجنة المسابقة منذ اعلانها، وهي كما يقول: «أن ينسجم النموذج مع واجهة مبنى المعهد (الواجهة الجنوبية) التي صممها المعماري الفرنسي جان نوفيل، وأن يستوحي من الرقش والزخرفة في التاريخ والتراث العربي»، ويستطرد: «لكنني في المقابل تعاملت بحرية كاملة مع المساحة».
ويروي علي كيف بدأت فكرته عن العمل بقوله: «كنتُ في احد المقاهي، وتناولت ورقة محارم خشنة وطويتها 36 طيّة، ثم رحت ارسم بالقلم معتمداً على مخزوني من التراث». واذا كانت مسألة الاستيحاء من التراث هي شرط في المسابقة، لكنها ايضاً طابع يميز عمل النحات السوري، او كما يعبر «هي طبيعة تجربتي في الاساس».
والعمل النحتي نافر بالرموز والإشارات، فهناك المثلث رمز عشتار والخصب، والدائرة الدالة على التكامل، والمربع الرامز الى الاركان، اضافة الى اشارات اخرى هي استيحاءات عن البحر والارض والسماء.
يقول علي: «ارتكزت الى الواجهة، لكنني كسرت قانون التكرار فيها»، ويضيف موضحاً: «الميزة الاساسية في عملي انه يحتوي على وحدة في التنوع من دون التكرار، وهذا ما يعطيه الحس الحداثوي القائم على عناصر من التاريخ».
وأقام علي معرضاً لعمله استمر ثلاثة ايام، في بهو مشغله (بيت دمشقي كبير)، وذلك بعد نحو خمسة شهور من العمل عليه، وحتى صباح حفلة الوداع كان العمل لا يزال جارياً على انهاء المربعات الاخيرة. وعمل على انجاز العمل مع النحات مهنيون في الحدادة يعملون معه منذ مدة. يقول احدهم ان اصعب مراحل العمل بالنسبة اليه هي «العتالة»، ونقل المربعات الحديد من مكان الى آخر، فوزن المربع الواحد 130 كلغ تقريباً، ويقارن وزن العمل ككل بأربعة اطنان. ويوضح علي انه اختار حديد «الفونت» مادة للعمل «لأنها تستطيع ان تعيش طويلاً وتقاوم عوامل المناخ في اوروبا، وهي مستخدمة هناك منذ القرن التاسع عشر في اعمدة الانارة والحدائق وغيرها».
وبعد مراحل العمل الكثيرة، من تشكيل المادة النافرة على مسطح، وإرسالها الى فرن حراري لإنجاز القوالب تحت درجة حرارة تصل الى 1500 درجة مؤية، يقوم العمال المهنيون بمرحلة حرق سطح العمل، باستخدام مواد الاكسدة، وهو ما يعطيه أخيراً ألواناً دافئة متدرجة بين البني ولون البازلت.
وطريقة النحت النافر معروفة تاريخياً في الشرق، فقد اعتمدها الفراعنة بنوعيها الغائر والنافر، وبرع فيها الآشوريون اذ نفذوها بأدق ما يمكن، كما يوضح علي. ويسافر العمل النحتي اليوم الاثنين في رحلة باتجاه واحد ونهائي الى باريس، اذ ان حقوق العمل كافة صارت ملكاً للمعهد، وسيسافر صاحبه معه للإشراف على عمليات نصبه فوق سطح معهد العالم العربي. يسافر وفي نفسه غبطة، فهذه الخطوة هي ذات اهمية استثنائية بالنسبة اليه، اذ يقول: «عندما يكون لديك عمل في معهد العالم العربي، وهو متحف مهم في باريس، فهذا يعني انك قمت بخطوة كبيرة باتجاه اوروبا وهي اكثر قارة مهتمة بالفنون».
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد