ما تجمعه السوق لا يفرقه زكي!
قرارات نقابة الفنانين المصريين التي أعلنها نقيبهم أشرف زكي ثم تراجع عنها، تستحق وقفة رغم هذا التراجع خصوصاً ما يتعلق منها بعدم السماح للفنان العربي بالمشاركة في أكثر من عمل واحد سنوياً في مصر مهما كانت درجة نجوميته.
القرارات في طبيعة الحال لا تنسجم مع تاريخ الفن المصري الذي قام على المشاركة العربية، وربما فات الوقت للحديث عن القيم القومية في عملية الإنتاج الدرامي، ولكن القرارات تبدو مخربة لسياق الدورة الإنتاجية للدراما التلفزيونية والسينمائية حاليا؛ فعلى رغم كل مظاهر تراجع القومية كقيمة ومعنى، في كثير من المجالات، إلا أن قيم السوق تفرض تعاوناً وثيقاً بين مختلف أدوات الدراما، لتحقيق عروض تلفزيونية أفضل.
والممثل إحدى أهم ركائز الدراما، إضافة الى ان اختيار ممثل دون غيره قائم أساساً على الموهبة وعلى الملاءمة للدور من حيث الشكل والخبرة، وكل المميزات التي يراها المخرج محققة لشروط الشخصية. وفي ظل ضوابط كهذه لا يحتاج اختيار الممثل إلى قواعد أو شروط أخرى تشبه شروط الحماية الجمركية للسلع، التي أصبحت الآن من قيم الماضي في مصر على المستوى الاقتصادي، بينما يريد أشرف زكي أن يطبقها في المستوى الفني الإبداعي!
أشرف زكي دافع عن قراراته بأنها ليست ضد الممثل السوري، والقصة ليست في أن تكون للسوريين حصة كبيرة من التوزع الجغرافي على امتداد الوطن العربي، فالأمور لا تحسب هكذا، ذلك ان وجود هؤلاء على الخريطة الدرامية العربية جاء نتيجة جهود فردية، ولزم كل منهم الوقت الطويل ليتراكم هذا الجهد، ويصب في مصلحة العمل التلفزيوني العربي في شكل عام.
عندما جاءت غالبية الفنانين السوريين إلى الدراما المصرية، لم تأت من الباب المصري الخالص، وهذا أمر معروف، بل بناء على دورة الإنتاج الدرامي العربي كله، والتي يتحمل رأس المال الخليجي الحصة الكبيرة منها. وبهذا المنطق يبدو من ضيق الأفق الحديث عن كيانات وطنية تابعة لمنطق النجاح أو الفشل في الدراما التلفزيونية، أو حتى يبدو من الإسفاف الدخول في الخلافات وما حصل من مشاحنات على خلفية دخول المخرجين والممثلين السوريين بيت الدراما المصرية.
هذا لا ينفي أن المصريين كانوا السباقين إلى ظهور أشهر المسلسلات الدرامية التي كرست صناعة التلفزيون، كقيمة ربحية وفنية معاً، ولكن يجب ألا يقف ذلك عند محدودية التجربة وأن تقيد مشاركة العرب فيها. ولا يصح أن يتذرع نقيب الفنانين المصريين بمشكلات البطالة، وربما كان محقاً في ما يخص التشديد على ضرورة تشغيل أعضاء النقابات الفنية، بدلاً من استعانة بعض المخرجين بمعارفهم من غير المؤهلين.
يحق لأصحاب البيت عدم فتح نوافذهم، ولكن ربما نسوا أن دعائم هذا البيت منذ أن شُيّد، كانت قائمة على النوافذ المشرعة والمفتوحة على كل الاتجاهات التي جددت هواءه وصنعت له. وما نرجوه هو ان يكون التراجع دائماً، ويعبر عن استعادة الذاكرة.
سمر يزبك
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد