مسرحية «ألعاب السكون الأخيرة»: التناص البصري
يتوق المخرج السوري موسى أسود في عرضه الأخير «ألعاب السكون الأخيرة - يعرض حالياً على مسرح الحمراء بدمشق» إلى تقديم مسرح الراهن السوري، عبر إعداد قدّمه بنــفسه مستــعيناً بنص «نهاية اللعبة» أحد أمهات نصوص العبث لصموئيل بيكيت، ووفق تنــاصّ مع مــسرحــية «ماجـدة والمائدة» للبولوني أندجي ماليشكا؛ حيث يراهن «أســود» على توليف أساليب عدة في فضاء قادر على احتواء أنماط عدّة من اللعب على الخشبة؛ فالعــرض يدمج بين العبث المسرحي في شخصيات الكاتب الإيرلندي والعبث السينمائي في فيلمي «الجدار» لآلن باركر، و«الطيور» لهيتشكوك؛ سيرة بصرية تشكل تناصها هي الأخرى مع احتجاج علني تعلنه شخصــيات العــرض على العقم والانهيار والتفكك في الأسرة؛ ليفــتتح أســود عرضه اللافت بتعليمات وإرشادات إخراجيــة عــبر ديكور حسن الشــيخ صــالح وضــوء غبــاري مــائل إلى الزرقة بين جــدارين لنــصر ســفر؛ وباب على مقدمة الخشــبة من جـهة اليــمين؛ جنباً إلى جنب مع شاشة تلفزيون على أرض المنصة.
أما في مقدمة المسرح اليسرى فهناك برميلا قمامة مغطيان بحرام قديم حيث تقيم شخصية «هام - محمد مصطفى» في الوسط على كرسي نقال؛ جنباً إلى جنب مع شخصية «كلوف - أسامــة التيــناوي» الذي يمــضي ويقيم في مطبخ؛ مرسلاً ضحـكة ساخـرة مجنونة، مخاطباً نفـسه متــذمراً من رتابـة حــياته التي يقضيها في خدمة سيده - أبيه «هام» وهذا الأخير يشرف بدوره على حياة والديه - «تماضر غانم - داوود الشامي» اللذين يقيمان في صناديق النفايات إلى أن يموتا كمداً وحسرةً وجوعاً أمام أنظار الإبن والحفيد في آنٍ معاً.
يقدّم العرض نماذج من شخصيات تتواصل عبر حوار مبتسر؛ وذلك عبر أقل قدر ممكن من الكلمات والجمل بمرافقة لافتة لموسيقى «جوان قرّه جولي»؛ إلا في مقاطع تتحوّل فيها الحوارات المسرحية إلى نوع من النجوى والغنائية الشعرية أو شبه الشعرية.
يأتي «ألعاب السكون الأخيرة - إنتاج مديرية المســارح» للبــحث عن أهمــية الإنــسان ومصــيره في هذا العالم عبر تقاطعات، يقـول عنها مخــرج العرض إنــها «جـاءت ما بين نصّين ففي عالم بيكيت هناك السؤال الفلســـفي الذي يطرح سؤال العبث واللاجدوى والعدمــية؛ وفي نـص ماليـشـكا هناك طرح بشكــل واقــعي وفنــتازي في آنٍ معاً لمصير الإنسان في حــالة من واقع سكوني له مرجعية فكرية خاصة؛ تصادر كيـنونة الإنسان والتعبير عن حريته؛ متقاطعاً مع العذاب الذي يقدّمه بيكيت؛ وكأن شخصية «ماجدة» تنتمـي إلى فضاء بيكيت». وجهة نظر ما بين واقع متحرّك لدى ماليشكا والسكون بمعنى الموت، وليس الصمت لدى بيكت؛ أي جــعل فـضاء بيكيت وعاءً حاضناً لفضاء ماليشكا؛ وصولاً إلى نهايات مميتة وعبثية عابقة باللاجدوى؛ هي في النهاية واحدة من تجليات واقع بلاد لها ريادتها في إعادة العبث المكتوب بُعيد الحرب العالمية الثانية إلى واجهة المسرح السوري، خصوصاً بعد تجليات الموت الجماعي الذي تقترحه الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من عامين.
من هنا حاول العرض تقديم صورة الآخر عبر المزج بين فرجة مسرحية ومشاهدة سينمائية؛ قدمت بدورها حلولاً معقولة عبر مشاهد من فيلم الجدار/ بينك فلويد/ كناية عن بشر يتم فرمهم في ماكينة الاستهلاك الكوني، ماكينة قادرة على أن تصبح جهاز هضم كبيراً لرغبات وأفكار وطاقات ملايين البشر؛ وصولاً إلى تضافر فضاءات عدة زاوجها مخرج العرض بذكاء، مقدماً مشاهد افتتاحية لغربان تنقــض على الخشــبة مقتطــعاً مشاهــد كاملـة من رائعة هيتشكوك «الطيور»، إلا أن العرض بقي في حدوده الدنيا يعاني من الالتصاق بالنص، حيث لم يتح المخرج لكتابة الخشبة دورها الجوهري، للانتقال من صيغة النص الأدبي الأخرس، إلى صيغة الأفعال على المسرح، ليبقى بيكيت عصياً على «ألعاب السكون السورية الأخيرة».
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد