مصر: «التطهير» يصل إلى الصحف الحكومية
متى يغادر رؤساء التحرير ومسوؤلو الصحف الحكومية في مصر؟ منذ انتصار الثورة، يتردّد هذا السؤال بقوة في الأوساط الإعلامية، وخصوصاً أن معظم هؤلاء وصلوا إلى مناصبهم بقرار رئاسي، يندرج ضمن الخطة التي كانت موضوعة لتوريث جمال مبارك كرسي الرئاسة. وفي وقت نجحت فيه الضغوط الشعبية في إطاحة معظم الوجوه القديمة في حكومة أحمد شفيق، يبدو أنّ سعي الصحافيين المصريين إلى التخلّص من رؤساء تحرير الصحف الحكومية سيستغرق وقتاً أطول. وما يؤكّد ذلك أن المتحدثين باسم «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» أعلنوا مراراً أن الجيش لن يستطيع «تطهير» البلاد في عشرة أيام، بل إن الأمر يحتاج إلى وقت أطول. ولا يتردّد الأمنيون في تذكير الشعب المصري بأنّ تغيير رؤساء التحرير وقادة «التلفزيون المصري»، وغيرها من المؤسسات الإعلامية الحكومية مطلب ثانويّ مقارنةً بضرورة الحفاظ على الأمن، وتعديل الدستور، وإعادة عجلة الإنتاج الوطني إلى طبيعتها...
وما يزيد الطين بلّة هو أنّ مجلس الشورى ـــــ المسؤول قانونياً عن اختيار رؤساء تحرير الصحف الحكومية ـــــ فاقد الشرعية حالياً، وبالتالي لا يمكنه اتخاذ أيّ قرارات في الوقت الراهن. كل هذه العوامل أثارت مخاوف الإعلاميين المصريين، من مرور الوقت من دون إحداث التغيير المرتجى، وخصوصاً أن بعض مجالس التحرير الحكومية قد تتمكّن من ركوب موجة الثورة في الأيام والأسابيع المقبلة، ما يجعل إبعادها عن منصبها صعباً، كي لا نقول مستحيلاً. وكان بعضهم قد انقلب بالفعل على نظام حسني مبارك غداة إعلان سقوط هذا الأخير، فأطلق العنان لمواقفه الداعمة للثورة، والمنتقدة للرئيس المخلوع. وفي هذا الإطار عبّر عدد من الصحافيين الداعين إلى التغيير عن أن بقاء رموز النظام القديم في مناصبهم الإعلامية يمثّل خطراً على مكتسبات الثورة الشعبية.
لكن الصورة القاتمة تغيّرت مساء أول من أمس، حين أطلّ عضو «المجلس الأعلى للقوات المسلّحة» اللواء محمد العصار، على شاشة «دريم»، مبلِغاً إدارات المؤسسات الإعلامية الحكومية أن باستطاعتها تقديم استقالاتها الآن. وأضاف إن قراراً رسمياً بشأن هؤلاء سيصدر قريباً. حتى إنّ العصار ذهب أبعد من ذلك حين سخر وتندّر على رؤساء التحرير الحكوميين بعدما غيّروا مبادئهم وأفكارهم لحظة سقوط حسني مبارك، فاحتفوا بشباب الثورة بعد أيام من اتهامهم إيّاهم بالعمالة والخيانة!
إذاً بدت رسالة الجيش المصري واضحة أول من أمس، وهي أنه لن يسمح بعد الآن بانتشار النفاق السياسي والإعلامي الذي حكم طيلة ثلاثين عاماً، ووضع البلاد على حافة بركان خطير. كذلك، فإنّه أسقط حجة عدم وجود كيان قانوني يحكم الصحف الحكومية حالياً، فاتحاً المجال أمام رؤساء التحرير المغضوب عليهم لتقديم استقالاتهم إلى الحاكم العسكري.
وحتى حجة عدم القدرة على اختيار بديل لهؤلاء في المرحلة الحالية، أسقطها الصحافيون عندما أعلنوا أن إدارات الجرائد لا تحتاج إلى رؤساء تحرير جدد، أو وجوه بديلة، بل يمكن تأليف مجالس تحرير بين الصحافيين العاملين فيها، بانتظار عودة مجلس الشورى. وهنا يبقى مهماً التذكير بأن سلطة مجلس الشورى الجديد على الوسائل الإعلامية ستخضع للنقاش، وخصوصاً بعد إلغاء وزارة الإعلام.
هكذا، خرجت أصوات تطالب بعملية انتخاب لرؤساء التحرير بدل التعيين، ولا سيّما بعد التجربة الناجحة التي شهدتها جريدة «الوفد» قبل أسابيع، إذ أجرى صحافيو الجريدة انتخابات اختير على أساسها أسامة هيكل رئيساً لتحرير الإصدار اليومي من الصحيفة، وسيّد عبد العاطي رئيساً للإصدار الأسبوعي، وعادل القاضي رئيساً لموقع «الوفد» الإلكتروني. كذلك أدلى صحافيو «الوفد» بأصواتهم بشأن فصل العدد الأسبوعي عن العدد اليوَمي خلال اختيار طاقم إشراف مستقل على العددين، وهو ما حصل بالفعل. وقد مثّلت هذه الانتخابات سابقة في عالم الصحافة المكتوبة والإلكترونية في مصر.
- إن كان التغيير في الصحف الحكومية قد بات ضرورياً، ينتظر الإعلاميون المصريون التعديلات التي ستطرأ على «التلفزيون المصري». ويرى هؤلاء أنّ على «ماسبيرو» أن يؤدّي دوراً مهماً في إعادة بناء الدولة المصرية، وفضح تجاوزات نظام مبارك.
قد يكون إصرار الصحافيين المصريين على تغيير رؤساء التحرير في الجرائد الحكومية في مكانه. كان معظم هؤلاء قد قضوا سنوات عملهم في تلميع صورة الرئيس المخلوع حسني مبارك، والتغطية على عمليات النهب والسرقة التي كانت تتعرض لها الدولة المصرية، لكن ما إن أعلن عمر سليمان تنحّي الرئيس، حتى خرج هؤلاء في مقابلات تلفزيونية يباركون للشباب المصري ثورته «ونصره المبين»، حتى إنهم اختاروا مانشيتات «تدمع لها الأعين» في اليوم التالي. ولعلّ صحيفة «الأهرام» هي المثال الأوضح على ذلك. غداة سقوط مبارك، عنونت «الشعب أسقط النظام»، كما أصدرت ملحقاً خاصاً بعنوان «انتصرنا»، كأنها قادت معركة التغيير منذ اليوم الأول للثورة. كذلك الأمر بالنسبة إلى صحيفة «الجمهورية» التي تحدثت عن «انتصار الشعب وثورة 25 يناير».
محمد عبد الرحمن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد